تشهد الساحة السياسية
اللبنانية في المرحلة الحالية محاولات واضحة لإقصاء "حزب الله" وعزله، وذلك ضمن زخم إقليمي ودولي يسعى إلى إضعافه بشكل متزايد. هذه المحاولات تأتي في سياق متغيرات دولية وإقليمية تضغط على الحزب وتضعه أمام تحديات غير مسبوقة، إلا أن الحزب، كما في كل محطة مفصلية، يمتلك خيارات تتيح له مواجهة هذه الضغوط بمرونة وفعالية، وان كان ذلك لن يجنبه الاضرار.
المسار الأول والأهم الذي يركز عليه الحزب هو تحصين الواقع الشيعي وضمان تماسك كتلته الشعبية. فمنذ نشأته استطاع الحزب بناء قاعدة جماهيرية صلبة تشكلت عبر شبكة خدمات اجتماعية واسعة، ودعم سياسي واضح، وعلاقة وثيقة مع البيئة الحاضنة. هذه القاعدة تمنحه قوة انتخابية كبيرة وتجعله قادرا على خوض أي استحقاق نيابي بثقل واضح، مما يعني أنه سيظل رقما صعبا في المعادلة السياسية
اللبنانية، رغم كل المحاولات لإضعافه. وفي هذا الإطار، فإن قدرة الحزب على المحافظة على ولاء هذه القاعدة ستكون عاملا حاسما في المرحلة المقبلة.
من جهة أخرى، يدرك الحزب أن قوته الانتخابية تمنحه أيضا قدرة على نسج تحالفات سياسية أوسع، سواء مع شخصيات مستقلة أو مع قوى سياسية أخرى تتقاطع معه في المصالح أو التوجهات. وعلى الرغم من الضغوط التي تمارس على حلفائه التقليديين، فإنه يمتلك قدرة على إعادة تشكيل تحالفاته وفق معطيات المرحلة. ومن خلال هذه التحالفات، يمكن للحزب ضمان موقعه داخل المؤسسات الدستورية والتشريعية، ما يتيح له هامشا واسعا للمناورة السياسية.
إقليميا، تبدو الخيارات أمام الحزب أكثر تعقيدا، إلا أن التطورات السياسية في
المنطقة قد تفتح أمامه فرصا جديدة. فمع إعادة ترتيب الأولويات في بعض الدول الإقليمية، ووجود توجهات نحو التهدئة في بعض الملفات، قد يجد الحزب نفسه أمام فرصة لإعادة ترتيب علاقاته مع بعض الدول التي كانت تعتبره خصما رئيسيا. وفي حال تمكن من إثبات قوته الشعبية في الانتخابات المقبلة، فإن ذلك قد يعزز موقعه التفاوضي مع هذه الدول، ما يخفف من حدة الضغوط المفروضة عليه.
تأتي كل هذه الخيارات في وقت تشهد فيه
المنطقة والعالم تطورات متسارعة قد تساهم في تخفيف الضغوط على الحزب. فالأحداث الدولية المتلاحقة، والأزمات المستجدة، تساهم في تشتيت التركيز الدولي عن الملف اللبناني، ما قد يمنح الحزب مجالا أوسع لإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية والخارجية. ومن هذا المنطلق، فإن المرحلة المقبلة ستكون مفصلية في تحديد مستقبل الحزب وخياراته السياسية، حيث ستعتمد استراتيجيته على مدى قدرته على التكيف مع المتغيرات والاستفادة منها لتعزيز موقعه في الداخل والخارج.