كتب روجيه ابو فاضل في" الديار": بحسب مصدر قضائي رفيع المستوى، فإن الجسم القضائي رغم ما يمرّ به، ما زال يضم قضاة يؤمنون بأن العدالة ليست مجرد وظيفة بل رسالة. هم يواجهون من داخل المؤسسة، بصمت أحيانًا وبوضوح حين يُطلب منهم الوقوف، محاولات خنق العدالة عبر وسائل غير دستورية. ويضيف المصدر أن الضغوط السياسية التي يتعرض لها
القضاء لا تُخفى على أحد، لكن الصراع الأساسي اليوم هو بين من يريد مؤسسة قضائية مستقلة، ومن يريدها مُلحقًا سياسيًا.
وسط هذا المشهد المعقّد، تبرز أسماء قضاة لم يخشوا الوقوف في وجه
التيار، في طليعتهم رئيس مجلس
القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي اتّخذ موقفًا ثابتًا من مسألة استقلالية القضاء. لم يرضخ للضغوط، ولم يدخل في لعبة المساومات، بل رفع سقف المواجهة القانونية كلما طُلب منه السكوت. تمسكه بالدستور والقانون جعله خصمًا لأصحاب النفوذ، لكنه اختار البقاء في الموقع الصعب، بدلًا من التنازل عن المبادئ.
أما القاضي جمال الحجار، فواجه مرحلة دقيقة على مستوى النيابة العامة، وتمكّن من ترميم بعض التوازن داخل المؤسسة، رغم هشاشة المرحلة السياسية. تعامل بحرفية مع الملفات، ورفض أن تتحوّل النيابة إلى منصّة استهداف.
بدوره، القاضي كلود غانم أثبت توازنًا في واحدة من أصعب المواقع القضائية، كمفوض للحكومة لدى المحكمة
العسكرية. تحاشى التورّط في زواريب السياسة، وأعاد بعض الثقة إلى مؤسسة لطالما وُضعت تحت المجهر.
ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبه القاضي رجا حاموش، الذي تصدّى لأحد أكثر الملفات حساسية في السنوات الأخيرة: ملف رياض سلامة بخطوات محسوبة ومبنية على معطيات قانونية، لم يتردّد حاموش في الادّعاء على حاكم مصرف
لبنان وشقيقه ومساعدته، بتهم تتعلّق بالاختلاس وتبييض الأموال والتزوير. ومهما اختلفت التقييمات لاحقًا، فإن الشجاعة في تحمّل هذا الملف بهذا الحجم تُحسب له.
ومن جهة أخرى، يبرز القاضي ماهر شعيتو كأحد الأسماء الواعدة في النيابة العامة
المالية، حيث يلاحق قضايا الفساد بهدوء ومثابرة، ويُعرف عنه العمل بصمت بعيدًا عن الإعلام، مع حرص على مبدأ الشفافية والدقة.
القاضي نقولا منصور في جبل
لبنان، واجه ضغوطًا متعدّدة بسبب الملفات التي تعرّض لها، بعضها سياسي وبعضها جنائي. لم يُهادن، بل أصرّ على أن يكون قراره صادرًا عن ضميره، لا عن رسائل فوقية أو تعليمات غير مكتوبة.
في خضم هذه الصورة، يعلو مطلب أساسي من كل الفئات المرتبطة بالعدالة: المواطنون، المحامون، القانونيون، بل حتى القضاة أنفسهم، يترقّبون صدور التشكيلات القضائية في أقرب وقت، ذلك أن ما لحق بالجسم القضائي في العهد السابق لا يمكن تجاوزه بسهولة. كان العهد يسعى إلى تفريغ القضاء من مضمونه، من خلال تدخلات مباشرة له ولفريقه، حيث كانت تُفتح الملفات "غب الطلب"، وتُستخدم النيابات والمحاكم كأدوات ترهيب سياسي، فيما كان الهدف الحقيقي يتمثّل في خدمة مصالح ضيقة، غالبيتها كانت تصبّ في مصلحة صهر العهد، لا في مصلحة العدالة.