منذ انتهاء الحرب الأخيرة على
لبنان، نظريًا لا عمليًا، باعتبار أنّها مستمرّة بالاعتداءات
الإسرائيلية اليومية على مختلف المناطق
اللبنانية، ومنذ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يُحكى عن "ملحق سرّي" له، لم تتّضح حقيقته حتى الآن، يتصاعد الجدل السياسي في البلاد حول مسألة نزع سلاح "
حزب الله"، التي يتعاطى معها فريق وازن من اللبنانيين على أنّها "حتميّة"، وإن اختلفوا حول التوقيت والظروف.
عاد هذا الجدل إلى صدارة المشهد مع الزيارة الأخيرة لنائبة المبعوث الأميركي إلى لبنان مورغان أورتاغوس، التي أكّدت كلّ التسريبات أنّ "نزع السلاح" شكّل البند الأول على أجندتها، علمًا أنّها أكّدت في حديثها لقناة "LBCI"، أنّ على السلطة والشعب في لبنان الاختيار، بين "التعاون معنا لنزع سلاح حزب الله وتطبيق وقف الأعمال العدائية وإنهاء الفساد (...)، وإما التباطؤ من قبل الحكومة والقادة"، وهو ما سيُفقِد لبنان الشراكة مع واشنطن، على حدّ
قولها.
ولم تكد تمرّ ساعات على تصريحات أورتاغوس، حتى صدرت تصريحات "رسمية" بشأن نزع السلاح، من قبل رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي قال إن نزع السلاح "هو مطلب لبناني"، مشدّدًا على أنّ الأمر سيتمّ بالحوار، ورئيس الحكومة نواف سلام الذي أكد تصميم الحكومة على مواصلة العمل لحصر السلاح في يد الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها"، لكن أين "حزب الله" من كلّ ذلك، وما موقفه من الجدل القائم حول نزع سلاحه؟!
أولويات "حزب الله"
في المبدأ، يبدو واضحًا أنّ "حزب الله" يتجنّب حتى الآن، الخوض في النقاش الحاصل حول السلاح، وهو الذي يدرك أنّه لا يشبه النقاشات المماثلة في كلّ الفترات الماضية، في ظلّ الضغوط الإقليمية والدولية الكبرى على خطّه، خصوصًا من جانب الإدارة الأميركية، الداعمة الأولى لإسرائيل، والذي يدرك أيضًا أنّ النتائج التي ترتّبت على الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وخصوصًا اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، جعلت كثيرين يعتقدون أنّ ما كان مستحيلاً بات ممكنًا.
بمعنى آخر، يعلم "حزب الله" جيّدًا أنّ وضعه ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وهو ما يفسّر أساسًا أن تجد قضية نزع السلاح كلّ هذا الصدى، خصوصًا أنّ التنازلات التي قدّمها الحزب منذ قبوله باتفاق وقف إطلاق النار ليست بقليلة، بل كانت قاسية عليه وعلى جمهوره، بما في ذلك سكوته "مكرهًا" على كلّ التجاوزات والاعتداءات الإسرائيلية، والتزامه بسياسة "الصبر الاستراتيجي"، مع تفويضه كلّ القرارات بالرد وغيره، إلى الدولة اللبنانية حصرًا.
ويضيف البعض إلى هذه التنازلات، تنازلات أخرى قدّمها الحزب في السياسة، جعلت الحديث عن نزع سلاحه يخرج من إطار "التابوهات"، كما كان في السابق، خصوصًا في ظلّ قيادة السيد نصر الله، ومن بينها انخراطه في "تسوية" انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وهو الذي تعمّد أن يضمّن خطاب القسم، بعد فوزه بفضل أصوات نواب "حزب الله"، سرديّة "احتكار الدولة للسلاح"، وإن أصرّ في كلّ المناسبات على مبدأ "الحوار والتواصل".
هل يقبل "حزب الله"؟
لا يعني ما تقدّم أنّ "حزب الله" في وارد القبول بنزع سلاحه، أو تسليمه إلى الدولة اللبنانية، أقلّه حتى الآن، حتى لو قال أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في أحد خطاباته الأخيرة، إن الحزب "مستعد" لمناقشة ما وصفه بخطط الاستفادة من المقاومة وسلاحها ضمن الاستراتيجية الدفاعية والحوار، علمًا أنّ الشيخ قاسم نفسه أكّد في أكثر من خطاب أنّ "صبره قد نفد"، ملوّحًا بالعودة إلى "خيارات أخرى" في حال عجز الدبلوماسية عن وضع حدّ للخروقات الإسرائيلية المستمرّة.
وبالحديث عن فلسفة "حزب الله" في هذا الإطار، يتوقف البعض عند قول الشيخ نعيم قاسم في مقابلته الأخيرة مع قناة "المنار"، إنّه لا يعتبر حزبه "معنيًا" بكلام الرئيس جوزاف عون عن احتكار الدولة للسلاح، وهو ما فسّره المحسوبون عليه بأنّ الحزب "لا ينافس"
الدولة على امتلاك السلاح، فسلاحه هو سلاح مقاومة، يشرّعه الاحتلال بالدرجة الأولى، في حين أنّ المقصود باحتكار الدولة للسلاح، برأي الحزب، هو الداخل، أي من خلال الأجهزة الأمنية الرسمية.
من هنا، يعتبر البعض أنّ "حزب الله" لا يمكن أن يوافق على مبدأ "نزع سلاحه" طالما أنّ الخطر
الإسرائيلي مستمرّ، للعديد من الأسباب والاعتبارات، من بينها أنّ وجوده في الأساس قائم على السلاح، ومن بينها أيضًا أنه لا يمكن أن يتخلّى عن "ورقة القوة" التي ما عاد يمتلك غيرها ربما، والتي يرى أنّه في حال تنازل عنها، سيصبح مكشوفًا، خصوصًا في ظلّ التطورات الدراماتيكية في سوريا، بعد "قطع" طريق الإمداد التي كان يعتمد عليها.
يقول البعض إنّ "حزب الله" ينأى بنفسه عن النقاشات الحاصلة حول نزع سلاحه، حتى يتجاوز المرحلة الصعبة التي يمرّ بها حاليًا، ويتمكن من استعادة الحدّ الأدنى من القدرات البشرية والعسكرية التي خسرها بنتيجة الحرب الأخيرة. لكن ثمّة في المقابل، من يعتقد أنّ "حزب الله" الذي يراجع الكثير من "تكتيكاته"، يراهن على متغيّراتٍ إقليمية ودولية، قد تخفّف من وطأة الهجمة عليه، أو أن يكون سلاحه على طاولة "التسوية" بين إيران والغرب مثلاً!