هل يمكن
القول إن مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الذي أقرّته الحكومة وأحالته على مجلس النواب لمناقشته قد ولد ميتًا، أم أنه قابل للحياة، خصوصًا إذا ما أدخلت عليه بعض التعديلات الأساسية والجوهرية من قِبل نواب الأمة؟
هذا
السؤال المشروع لن يلقى الجواب المطلوب إلاّ عندما يدعو الرئيس
نبيه بري النواب إلى جلسة لمناقشة المشروع قبل أن يصبح قانونًا. والملاحظ أن أكثرية الكتل النيابية حتى تلك الممثلة بقوة في الحكومة سيكون لديها أكثر من
ملاحظة على مشروع غير مكتمل. وكان من المستحسن على الحكومة أن تستنجد بخبرات كبار المصرفيين لكي يأتي هذا المشروع متكاملًا مع
نظرة مستقبلية للقطاع المصرفي، الذي لن تستقيم الحركة الاقتصادية ما لم يُقرّ قانون مصرفي حديث ومتطور يحاكي ما تشهده الدول المتقدمة على هذا الصعيد، وما لم يُحصّن هذا القطاع ضد أي "
فيروس" قد يصيبه، وما لم تتمّ معالجة الفجوات التي أدّت إلى أكبر زلزال مالي ضرب
لبنان.
ما هو متوقع بعد عطلة الأعياد أن يوزّع مشروع الحكومة على النواب، الذين سيأخذون وقتهم لتدوين ملاحظاتهم عليه، وهي على ما يبدو كثيرة، إضافة إلى أن حاكم مصرف لبنان الجديد
كريم سعيد سيكون له ملاحظات أساسية وجوهرية. كذلك ستكون هناك ملاحظات أساسية للمصرفيين الذين أبدوا انزعاجهم نتيجة إقصائهم وعدم الأخذ برؤيتهم لما سيكون عليه مستقبل هذا القطاع الحيوي.
وفي رأي بعض الخبراء الماليين أن إقرار الحكومة لهذا المشروع وإحالته على مجلس النواب بهذه الطريقة يوحي بأن ثمة قطبة مخفية حاول بعض الوزراء المحسوبين على رئيس الحكومة، الذين يشكّلون مع فريق عمله كتلة متراصة لها "اجندتها" المدوزنة على قياس عدد من المصارف دون غيرها، تمريرها وكأن شيئًا لم يكن.
ومن بين المآخذ على مشروع الحكومة هو استهداف صلاحيات حاكم مصرف لبنان ومحاولة تقليصها عن طريق تعزيز صلاحيات لجنة الرقابة على المصارف وإعطائها دورًا أكبر مما كان معطى لها في السابق. وهذا
الموقف قد تكون له خلفيات لها علاقة بالموقف السلبي لرئيس الحكومة نواف سلام من
الحاكم الجديد، الذي يمكن القول إن تعيينه جاء نتيجة التصويت الذي حسم الموضوع لمصلحة فريق رئيس الجمهورية فحصل على سبعة عشر صوتًا مقابل سبعة أصوات من فريق رئيس الحكومة، وذلك بعدما تعذّر التوافق الضمني عليه بين الرئيسين عون وسلام. إلا أن هذا الأمر نفاه وزير المال ياسين جابر، الذي شدّد على أن لحاكم مصرف لبنان صلاحيات واسعة ومطلقة ولا أحدي يستطيع المساس بها، لكنه ميزّ بين سياسته وصلاحياته. فالأولى قابلة للنقاش. أمّا الثانية فثابتة بقوة القوانين المرعية الاجراء.
ووصف هؤلاء الخبراء هذا المشروع بأنه جاء بمثابة "ردة أجر" على الطريقة التي تمت فيها عملية تعيين الحاكم ديموقراطيًا. ويذهب هؤلاء إلى الجزم بأن مشروع الحكومة سيخضع لمزيد من التشريح والمناقشة في
اللجان المختصة قبل إحالته إلى
الهيئة العامة، وسيتم إدخال الكثير من التعديلات عليه قبل إقراره بصيغته النهائية.
ومن بين الملاحظات، التي يمكن سياقها في إطار التصويب كما أورده بعض لخبراء الماليين، وهي:
أولًا، يمكن اعتبار أن استعادة الثقة بالاقتصاد تبدأ بإعادة حقوق المودعين وبإصلاح مصرفي حقيقي يحدد دور المصارف في
الاقتصاد الوطني وكذلك بتغيير الخيارات الاقتصادية المدمرة وإعادة الاعتبار للإنتاج.
ثانيًا، إن ربط القانون بقانون تحديد الفجوة
المالية يجعله ناقصاً، مع ضرورة تحميل الخسائر للجهات التي استفادت على مدى 30 عاماً من الفوائد، وتحديداً المصارف بالشراكة مع الفئات السياسية.
ثالثًا، إن إعادة تشكيل هيئة مصرفية عليا للإشراف يشوبه الكثير من تضارب المصالح بين أعضائها، فيما المطلوب هو هيئة يكون هدفها الوحيد تطبيق القانون ولا شيء غير القانون.
رابعًا، إن المصارف هي المسؤولة الرئيسية عن أزمة المودعين، ويجب تحميلها المسؤولية الكاملة بشأن الودائع، مع التشديد على أهمية استكمال التدقيق الجنائي في كل المصارف.
خامسًا، ضرورة تثبيت حقوق المودعين في الميزانيات المصرفية وذلك حفاظاً على حقوقهم.
سادسًا، رفض مبدأ القبول الطوعي بشروط صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بشطب الودائع، من دون أن يعني ذلك عدم المطالبة بإقرار الإصلاحات الضرورية من أجل بناء
اقتصاد سليم وقوي ومتين ومحصّن ضد الزلازل لمالية الموسمية.
سابعًا، رفض قاطع لكل أشكال الوصاية على الاقتصاد اللبناني.
ومتى ما نوقش هذا المشروع في مجلس النواب فإن سبحة الملاحظات ستكرّ دفعة واحدة، على أن تُدخَل عليه تعديلات أساسية وجوهرية قبل أن يقرّ بصيغته النهائية ويصدر بقانون.