كاد يكفي أن يصدر عن المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة سعد الحريري بيان يعلن فيه مغادرته البلاد في زيارة خاصة، حتى تتأكد المعلومات التي تتحدث عن فشل المساعي الأخيرة التي كان يقوم بها لاعادة احياء جلسات مجلس الوزراء، وان جميع الأمور متروكة الى الأسبوع المقبل، في ضوء المبادرة التي يعيد احياءها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، والتي انطلقت من عين التينة بعد اللقاء الذي جمعه والرئيس نبيه بري الذي واصل بدوره اتصالاته ومداولاته سعيا لايجاد ثغرة يمكن النفاذ منها الى الحل المقبول.
مبادرة اللواء ابراهيم
وتجدد الكلام عن مبادرة جديدة لخرق الجدار القضائي الناشئ عن حادث قبرشمون، وان اللواء ابرهيم أعاد تشغيل محركاته في هذا الشأن، بعدما حصل على الضوء الأخضر من رئاسة الجمهورية. وفي المبادرة عودة الى اقتراح المضي باحالة قضية قبرشمون على المحكمة العسكرية، وانتظار القرار الظني ليبنى عليه فيما اذا كان هناك من داعٍ لنقل القضية الى المجلس العدلي أم لا بحسب صحيفة "الأخبار".
وأشارت صحيفة "اللواء" الى ان أي تطوّر ملموس لم يسجل لا على صعيد الاتصالات ولا على صعيد اللقاءات، فيما أظهرت المواقف استمرار التباعد بين الأطراف المعنية، سواء بالنسبة ضرورة عقد جلسة حكومية سريعاً، أو بالنسبة لملف إحالة قضية حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
ورأى مصدر حكومي مطلع لـ"النهار" ان المبادرة تتضمن قاعدة اساسية للحل، لكن سعي البعض الى ربط الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء بمسار المبادرة، لا يقع في مكانه الصحيح، لا سياسياً ولا دستورياً. وشدد المصدر على ان الدعوة الى مجلس الوزراء أمر يبته حصراً رئيس الحكومة الذي خوله الدستور توجيه الدعوة واعداد جدول الأعمال، وكل كلام خلاف ذلك يرمي الى تعليق الدعوة الى أي اجتماع سياسي يقع خارج حدود الدستور، ولا مكان له في قاموس الرئيس سعد الحريري. ومجلس الوزراء بالنسبة الى رئيسه هو مجلس كامل الصفات والأعضاء والنصاب السياسي، وعندما يقرر الدعوة الى جلسة فإن الجلسة توجه الى جميع الوزراء دون استثناء، لأنه من غير المنطقي ان يتحول الى مجلس وزراء مبتور تحت وطأة هذه الأزمة أو تلك.
مراوحة دون تقدم
وبات مؤكداً ان الرئيس الحريري يرفض طرح ملف قبرشمون في مجلس الوزراء، ويرفضه ايضا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وقالت مصادر حكومية لـ"اللواء"، ان لا نية لدى الحريري لاحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، ولا إلى طرحها امام مجلس الوزراء في حال وجهت الدعوة إليه، في حين تساءلت مصادر بعبدا، كيف تعقد جلسة حكومية وقضية الإحالة لم تبت بعد، بينما اكدت مصادر الحزب الاشتراكي "بأننا قدمنا الكثير ولم يعد لدينا المزيد"، فيما اشارت مصادر الحزب الديمقراطي بأن لا تراجع عن مطلب الإحالة إلى المجلس العدلي.
وأكدت جميع هذه المواقف على عقم الاتصالات القائمة، وان الوضع ما يزال يراوح من دون تسجيل أي تقدّم يذكر، الأمر الذي يُؤكّد ما ذهبت إليه مراجع مطلعة بأن الأزمة التي انفجرت مع حادثة قبرشمون أكبر من مجرّد صراع حزبي داخل الطائفة الدرزية، وربما تتصل باستحقاقات كبيرة على صعيد المنطقة، رغم نفي جنبلاط وجود صلة بين قبرشمون ومضيق هرمز.
الحريري مصرّ على عقدة جلسة حكومية
وفي هذا السياق، أكدت مصادر وزارية لـ"الشرق الأوسط" أن الحريري تعهد بالدعوة لجلسة مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل، من غير تحديد مكان انعقادها، وستكون جلسة بجدول أعمال واضح لاستئناف عمل المؤسسات وتفعيلها.
وتوقفت المصادر عند الاجتماع الذي عقده الحريري مع عون في قصر بعبدا أول من أمس، مشيرة إلى "أجواء إيجابية" تخللته، حيث عرض الحريري على عون موضوع الجلسة، وثمة قناعة مشتركة عند الطرفين بأنه لا مصلحة لأحد باستمرار تعطيل المؤسسات، مشيرة إلى أن الطرفين انطلقا من هذه النقطة المشتركة، فيما استمهل عون الحريري لإجراء مشاورات.
وقالت المصادر إن عون لم يظهر أي اعتراض على توجهات الحريري، وهو ليس ضده، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن هناك موقفاً إيجابياً من عون سيعلن عنه قريباً جداً يصب في هذا التوجه نفسه الآيل لاستئناف عمل الحكومة. وأكدت المصادر أن هناك جلسة لمجلس الوزراء "مهما كلف الأمر".
تجنب التصويت
وبحسب معلومات "الديار" فإن الجهد بقي منصبا على تفادي اللجوء الى التصويت في مجلس الوزراء نظراً للتداعيات السلبية التي يمكن ان تنجم عن ذلك ليس على الحكومة فحسب بل على البلاد ايضا.
واكد مصدر وزاري مطلع في هذا المجال ان خيار اللجوء الى التصويت خيار دونه محاذير كثيرة، وانه من الافضل التركيز على معالجة حادثة قبرشمون وايجاد تفاهم حولها قبل الذهاب الى مجلس الوزراء.
لكنه اضاف ان هذه المساعي لم تصل الى التفاهم المنشود بعد، مع العلم ان الامور مفتوحة لمزيد من الاخذ والرد ولم تصل الى طريق مسدود.
وفي اجواء البحث عن مخارج لقضية قبرشمون تقول المعلومات لـ"الديار" ان اصرار رئيس الحزب الديموقراطي على اولوية احالة القضية الى المجلس العسكري مقابل رفض رئيس الحزب التقدمي هذا الطرح وتأكيده على تسليم المطلوبين من الطرف الاخر قبل اي شيء اخر يعطي انطباعا أن حادثة قبرشمون او البساتين ليست مجرد مشكلة امنية او قضائية بقدر ما هي انعكاس لأزمة سياسية تتجاوز حدود هذه المنطقة والجبل ايضا.
ووفقا لمصادر الحزب التقدمي الاشتراكي فإن الحزب تعامل بكل مرونة مع المساعي لمعالجة حادثة البساتين وكان متجاوبا معها من خلال تسليم المطلوبين للتحقيق معهم غير ان الطرف الاخر يصر على رفض تسليم المطلوبين ويطالب بإحالة القضية الى المجلس العسكري مستبقا استكمال دائرة التحقيقات الاولية.
وترى المصادر ان مسار الجهود التي بذلت منذ اللحظة الاولى يدل على ان هناك محاولة لاستهداف الحزب من خلال استغلال هذه الحادثة، وان مطلب احالة القضية الى المجلس العدلي ليس مطلباً قضائياً بقدر ما هو حلقة من حلقات هذا الاستهداف.
ويرفض الحزب التقدمي بشدة مثل هذه المحاولة، مؤكداً في الوقت نفسه انه كان وما زال منفتحاً على كل الافكار والحلول الموضوعية، لا بل انه ليس هو من يقفل الباب امام هذه الحلول.
اما اوساط الحزب الديموقراطي فترى ان مطلب احالة القضية الى المجلس العدلي ينسجم كلياً مع المعالجة الموضوعية لما جرى في قبرشمون ذلك ان الجريمة ليست عادية بل تستهدف وزيراً في الحكومة وتؤثر في الامن والاستقرار ليس في المنطقة التي جرت فيها بل في الجبل وربما اكثر من ذلك.
وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية لـ"الشرق الأوسط" إن أرسلان رفض التسوية التي طرحها جنبلاط لجهة ضم حادث الجبل إلى ملف جريمة الشويفات، وإحالة الملفين إلى المجلس العدلي في حال كانت هناك ضرورة لذلك، وهي تسوية مقبولة لدى الرئيس سعد الحريري، ويؤيدها رئيس البرلمان نبيه بري، فيما يترك "حزب الله" لحليفه أرسلان حرية اتخاذ القرار.
وقالت المصادر إن بري نصح أرسلان بموضوع الربط بين الحادثتين، لكن أرسلان أبلغ وزير المال علي حسن خليل رفض هذا التوجه.
وتضيف المصادر لـ"الديار" ان الاحتكام الى القضاء يجب الا يخيف احداً، وان اللجوء الى المجلس العدلي لا يعني استهداف اي طرف بقدر ما هو اجراء طبيعي مع الجريمة التي حصلت.
وبرأي المصادر نفسها ان ما جرى ليس مجرد "ضربة كف" او حادثة امنية عابرة يمكن السكوت عليها، لذلك وجب على الطرف الاخر ان يدرك حجم الذي حصل ويتعامل معه بموضوعية.