يبدو أن حادثة "قبرشمون" بدأت تؤسس لخلاف غير واضح المعالم بين أقطاب التسوية الرئاسية، لا سيّما في ظلّ دعم تيار "المستقبل" لرئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط والذي يقابله تصعيد من التيار "الوطني الحر" حيث يلعب رئيس الجمهورية ميشال عون دور "رأس الحربة" في الصراع حول ملفّ المجلس العدلي وما استتبعه من تعطيل للحكومة.
وإذ فشلت جميع المساعي من أجل الوصول الى مخرج مناسب من هذه القضية التي باتت تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، أصبح عون والحريري في موقف محرج أمام بعض وزراء الحكومة والرأي العام الذين يحمّلون الطرفين مسؤولية الشلل الذي ضرب عصب البلاد، في حين أن الرئيس سعد الحريري وبحسب مصادر "بيت الوسط" يعتبر بأن العراقيل التي تواجه الحكومة يتحمل وزرها رئيس الجمهورية من خلال تجاهله لمحاولات فريقه التعدّي على صلاحيات رئيسها.
من جهة أخرى، تشير مصادر التيار "الوطني الحر" بأن كرة الحلحلة في ملف المجلس العدلي ثابتة في ملعب الرئيس سعد الحريري الذي ووفقاً للمصادر يستخدم صلاحياته الدستورية لمواجهة فريق رئيس الجمهورية من خلال الوقوف على خطّ الدفاع مع خصومه!
ولفتت مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري الى أن بعض التسريبات الاعلامية التي تستهدف الرئيس ميشال عون مصدرها "بيت الوسط" الأمر الذي أشعل جبهة التوتّر بين الطرفين بشكل كبير، وأضافت أن رئيس الحكومة يصرّ على التمسّك بصلاحياته مدّعياً أن الموضوع قد تخطّى الخلاف السياسي ووصل حدّ الانقضاض على "اتفاق الطائف" الذي يبالغ رئيس الحكومة بتصويره على أنه خرق للدستور وإخلال بالتوازنات الطائفية في لبنان.
مما لا شك فيه أن عودة الاصطفافات السياسية لفريقي 14 و 8 آذار من شأنها أن تضاعف حدّة التوتّر بين "المستقبل" و "الوطني الحر" خصوصا وأن كلّا من الفريقين يأخذ على عاتقه طرح المطالب السياسية لحلفائه على طاولة مجلس الوزراء، الأمر الذي قد يؤدي الى انفجار العلاقة اعلامياً بينهما يتبعه تراجعاً على مستوى التحالف السياسي المستجدّ، ولعلّ متابعة الوسائل الاعلامية الرسمية التابعة للتيارين هي أبلغ دليل على اهتزاز قاعدة التسوية والخلل الذي بات يسلك مساراً تصاعدياً منذ تشكيل الحكومة وحتى اليوم.
وعلى الرغم من تمسّك الفريقين بالتسوية الرئاسية وعدم توقّع أي من المصادر المقرّبة الوصول الى اشتباك حاد من شأنه أن يؤدي الى طلاق سياسي بين الطرفين، الا أنّ استمرار ربط حادثة "قبرشمون" بجلسات مجلس الوزراء قد يوسّع رقعة الخلاف بينهما ما قد ينتج عنه شرخاً عميقاً في العلاقة بين رُكني التسوية، إذ أنه بات معلوماً أن احدا من الطرفين لا ينوي التنازل للاخر لكنّ حجم الضغط الذي يحيط بالأجواء السياسية والاقتصادية على الصعيد المحلي قد يساهم في إيجاد اتفاق للعبور بهذه الأزمة نحو الحلول.