لا يمكنُ حتى الآن جزمُ أي شيء على خط تشكيل الحكومة، لكن ثمّة أمراً واحداً يمكن قوله هو أنّ الإرتباك يصيبُ الجميع من دون إستثناء، والكلّ ينتظرُ "السحر الخارجي" للخروج بالبلد نحو برّ الأمان. لكنّ الأكيد حالياً هو أنّ أسهم الرئيس سعد الحريري مرتفعة لتولّي مهمّة رئاسة الحكومة من جديد، باعتباره "البرغماتي" الذي يمكنه ربط النزاع مع "حزب الله" أولاً، والقادر على جذب ثقة المجتمع الدولي ثانياً.
وما لا يمكن التغاضي عنه، هو أنّ الحريري ما زال يناقضُ الثنائي الشيعي "حركة أمل" و "حزب الله" بشأن الحكومة المختلطة التي يرفضها، وهي التي تفرضُ وجود وزراء حزبيين، مع وجود وزراء آخرين اختصاصيين. ولذلك، لا شيء محسوماً حتى الساعة، على الرغم من كل المعلومات التي تشيرُ إلى أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يعلن موعد الإستشارات النيابية الملزمة يوم الجمعة المقبل، لكن ذلك لا يعني أن عقبات أساسية قد تمّ تذليلها، والأمور ستتجه نحو الأسوأ، في ظل الضغط المالي والإقتصادي، وفي خضمّ التحرك الشعبي الذي لم يعد يثق بالقرارات السياسيّة.
أميركا تضغط على الحريري
ما يؤكد أنّ الأوضاع معقّدة بشكل كبير هو دخول الوساطة الفرنسيّة على خطّ الحل، والمتمثلة بوصول رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو إلى بيروت. فعلياً، فإنّ الدور الفرنسي ليسَ إلا تمهيداً لتدوير الزوايا العالقة من باب الوضع الإقتصادي، وتخفيف وطأة الرسالة الأميركية بشأن رفضها التام لوجود "حزب الله" في الحكومة. وعلى رغم أن التواصل بين الحريري والحزب قائم، فإنّ رفض الأول لوجود حليف "حركة أمل" في الحكومة نابعٌ من ضغط أميركي، وهذا ما تؤكد عليه مصادر قيادية في التيار "الوطني الحر" لـ"لبنان24"، لتقول أنّ "الحريري يرفض الحكومة المختلطة ككل بسبب الحزب، وهو لا يقول ذلك صراحة، بل يتعاطى مع الموضوع كسلّة كاملة تشمل جميع الأحزاب". ولفتت المصادر إلى أنّ "التمسك بخيار الحريري كبير، لكن الأمور قد تخرج عن نصابها في ما بعد، عندما يرى الجميع أن خيارات حكومة التكنوقراط تضيق، والمجتمع الدولي لا ينتظر أحداً".
رئيس حكومة من الحراك.. والسيناريوهات مفتوحة
وإزاء كل ذلك، تعتبر مصادر "الوطني الحر" أنّ "هناك رائحة غير نظيفة تنبعث على خط التشكيل"، مشيرة إلى أنّ "هناك تبياناً كبيراً بين "الوطني الحر" و"حزب الله" بشأن الحكومة المختلطة"، وتقول: "لقد أبلغنا الحزب مراراً أننا نريد حكومة لا يتمثل فيها حزبيون، والواضح أن الضغط الخارجي يزداد على الحريري لعدم القبول بالحزب. ولذلك، فإنّ الطروحات الأخرى باتت مفروضة وواسعة". وتلفت المصادر إلى أنّه "في حال اعتذر الحريري عن التكليف والتشكيل، فإنّ هناك خياراً لاختيار وجهٍ من الحراك المدني لتولي رئاسة الحكومة مع اختصاصيين، وعلى رغم أنه أمرٌ قد يكون بعيد التطبيق لكنّه يمكن اللجوء إليه واستيعاب الشارع الذي يطالب بحكومة غير سياسية". غير أنّ مصادر في الحزب "التقدمي الإشتراكي" أكّدت لـ"لبنان24" أنّ "القرار ليس بيد الوطني الحر وحده، وهناك تقويم وتقييم يلامس الواقع الجديد، وسنعلن موقفنا من كل ذلك في الوقت المناسب".
وأمام كل هذه المعطيات، تقول المصادر أن السيناريوهات بشأن التشكيل مفتوحة وأحدها خطير، وهي:
1- قبول الحريري بحكومة مختلطة يتمثل فيها أشخاص مقرّبون من الأحزاب باعتبارهم ممثلين سياسيين لهم، شرط ألّا يكونوا حزبيين، أي إعادة تطبيق السيناريو الذي حصل مع وزير الصحة جميل جبق خلال تشكيل الحكومة المستقيلة، وهو شخصية تدور في فلك "حزب الله" ولكنه ليس حزبياً أو مستفزاً، وهو الأمر الذي أبعد وزارة الصحة عن العقوبات الأميركية التي تمّ التهديد بها.
2- في حال إنكفاء الحريري عن التأليف والتشكيل، قد يتم اختيار شخصية مقربة منه للتشكيل، والإصرار على وجود ممثلين لتيار "المستقبل" في الحكومة.
3- خروج الحريري نحو المعارضة نهائياً، وتشكيل حكومة ذات لون واحد، وهو الأمر الذي يعتبرُ خطيراً، ويعيد لبنان إلى الإنقسام العمودي الحاد.
4- في حال تشكّلت حكومة اللون الواحد من "حزب الله" و"حركة أمل" و "التيار الوطني الحر" وحلفائهم، فإنّ الأمور ستتفجّر أكثر في الشارع أولاً، وسيكون سقوطها قريباً، في حين أن الأمر الأهم هو أنّ لبنان سيدخل في دائرة الحظر الدولي، وسيضيق الضغط عليه أكثر أميركياً وأوروبياً.