"يوم الأحد (10 تشرين الأول) ستصل باخرة، ومن بعدها سننتظر باخرة أخرى ستستخرج الغاز- إذا وجد". "إذا وجد". هل قصدت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ندى بستاني أنّ الحفر قد يكون من دون جدوى؟ نعم. هذا ما يؤكده الخبراء على الأقل، بل يحذرون من أنّ المسؤولين اللبنانيين يبالغون في تفاؤلهم في موضوع "دخول لبنان نادي الدول النفطية" ويعوّلون على الثروات التي سيجينها في وقت يحتاج النموذج اللبناني المالي إلى تغيير بنيوي.
لا يفوّت المسؤولون فرصة من دون تذكيرنا بأننا سننعم ببحبوحة بعد استخراج النفط والغاز، ففي ثاني كلمة له بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، تحدّث الرئيس ميشال عون عن انطلاق أعمال التنقيب عن النفط والغاز خلال شهرين "ليدخل لبنان نادي الدول النفطية"، موضحاً أنه أصر على أن يكون إقرار مراسيم استخراج النفط والغاز أول مهام الحكومة، "لأن لبنان يمتلك ثروة". وفي تصريح اليوم، حذّر عون من أنّ الأوضاع الاقتصادية في لبنان "تزداد تردياً نتيجة ما تمر به البلاد لكن بدء التنقيب عن النفط والغاز سيساعد على تحسن الوضع تدريجياً".
في تقرير لها حمل عنوان "النفط والغاز لن ينقذا لبنان"، نبّهت مجلة "executive" من خطورة وصف المسؤولين اللبنانين قطاع النفط "منقذاً للاقتصاد"، مؤكدةً أنّ هذا الاتجاه يتعارض مع نصائح الخبراء اللبنانيين الذين يحذرون من "لعنة ما قبل الموارد النفطية" (ضعف النمو الاقتصادي بعد عملية اكتشاف (النفط والغاز) التجارية، وهي تسبق انطلاق عملية الانتاج بفترة طويلة- وذلك نتيجة توقعات مبالغ فيها وزيادة مرتبطة في الإنفاق العام و\أو الاقتراض)، ويدعون إلى إجراء إصلاحات بنيوية للأزمة الاقتصادية.
كما ذكّرت المجلة بتصريحات الموفد الفرنسي المكلف متابعة مقررات مؤتمر "سيدر" السفير بيار دوكان من أنّ "اكتشاف النفط ليس الحل السحري الذي سيحل كل الصعوبات التي واجهها لبنان، فهذا أمر إيجابي لكننا لم نصل إليه بعد، وهذا أمل خاطئ وليس الطريق المناسب إلى الأمام".
ولفتت المجلة إلى أنّه على الرغم من قتامة المشهد الاقتصادي اللبناني- أو بسببه- يضع صناع القرار اللبنانيون رهانهم على قطاع النفط والغاز، لافتةً إلى أنّ موازنة العام 2019 ذكرت – بصراحة- الثروة المحتمل جنيها منه كواحد من الأسباب الداعية إلى عدم القلق من مخاطر التخلف عن السداد.
وفي هذا السياق، تحدّثت المجلة عن إطلاق الحكومة اللبنانية دورة التراخيص الثانية في نيسان الفائت على الرقع 1-2-5-8 و10، مشيرةً إلى أنّ هذه الخطوة سبقت توصل كونسورتيوم "توتال-إيني-نوفاتك" إلى اكتشاف تجاري واحد في الآبار التي سيتم حفرها في السنوات الـ3 إلى الـ5 المقبلة. وفي تعليقها كتبت المجلة: "في ظل ظروف اقتصادية أكثر رخاءـ وبهدف تحسين شروط التلزيم، كان ينبغي على الحكومة انتظار نتائج جولة الحفر الأولى، المزمع انطلاقها في نهاية العام 2019، قبل إطلاق جولة التراخيص الثانية". وتابعت المجلة مؤكدةً أنّ السلطات اللبنانية ضغطت أيضاً على "توتال" لبدء أعمال الحفر "في أسرع وقت ممكن"، موضحةً أنّ الشركة حدّدت موقع الحفر في أقل من عام، علماً أنّ هذه العملية تستغرق سنة إلى اثنتين في ظل ظرف اعتيادية.
وفي تعليقها، أخذت المجلة غانا وسيراليون مثاليْن على بلدان علّقت آمالاً مرتفعة جداً على عائدات مستقبلية غير مؤكدة، مشيرةً إلى أنّ البلديْن دفعا الثمن عبر تراجع النمو الاقتصادي. وتابعت المجلة بالقول إنّ الحكومة اللبنانية تقع في فخ "ما قبل الموارد النفطية"، مسلطةً الضوء على سعيها بشكل خاص وفي مرحلة مبكرة جداً إلى إنشاء صندوق سيادي خارج إطار رؤية الاقتصاد الكلي الأوسع.
إذن، كل ما سبق يعني أنّ دخول لبنان النادي النفطي ليس مؤكداً، بل يطرح تساؤلات "مخيفة" عن المرحلة المقبلة، بعد تخفيض تصنيف لبنان وتصنيف أكبر 3 مصارف (من حيث الأصول) و"اعتراف" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، من دون أن ننسى تصريح بستاني الذي تمنّت بموجبه "أن نكتشف الغاز من الحفرة الأولى".