كتب سامي كليب في "5 نجوم": خيار التوجه شرقا أي صوب الصين وايران لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني، يأخذ حيزا كبيرا من الجدل الداخلي اللبناني، بين مؤيد بشدة له على اعتبار أن أميركا تعيق الحلول الاقتصادية، وبين رافض على أساس أن هذا يغيّر وضع لبنان على الخريطة الدولية وتستتبعه تغييرات مفصلية في النظام.
ينبغي القول أولا أن الصين ليست حليفا لمحور المقاومة. فالتبادل التجاري مثلا بين بكين والسعودية يقارب حاليا 80 مليار دولار، وهو رقمٌ لا يحلُم به لبنان بعد 10 سنوات. ومع الأمارات كذلك فان التبادل التجاري الصيني يفوق بضعفين ما هو بين الصين وايران، خصوصا بعد التراجع المضطرد للعلاقات التجارية الصينية الإيرانية في اعقاب العقوبات الأميركية. فقد أعلن رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية، مجيد رضا حريري، تراجع حجم التجارة بين طهران وبكين بنسبة 35% خلال العامين الماضيين.
ثم ان العلاقات الصينية الإسرائيلية شهدت تحولات كبيرة في السنوات الماضية، خصوصا في مجالات التكنولوجيا العالية والسلاح، وهي مجالات لم ولن تناقشها بكين على الأرجح مع محور المقاومة. فمثلا يقول جلعاد كوهين، نائب رئيس الشؤون الخارجية الإسرائيلي، إنّ الصين أصبحت ثاني أكبر سوق تصدير لإسرائيل، كما أن نحو 20% من استثمارات شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية مصدرها الصين. هذا ما أقلق أميركا التي ضغطت على إسرائيل بحزم مؤخرا قبل أيام من وجود السفير الصيني ميتا في شقته في إسرائيل. ( قيل وفاة طبيعة لكن الله أعلم).
في خطتها العالمية الكبرى " الحزام والطريق" تتجنب الصين تفضيلَ خيار على آخر، وهي تسعى لأن تتعاون مع الجميع، ولن تدخل في معارك جانبية لأجل أحد ضد أحد آخر. ولذلك فان المحورين يغاليان في تصوير مستقبل العلاقة معها، وازدادت المغالاة بعد التنافر الصيني الأميركي.
المسألة مع ايران مختلفة تماما. فالمؤيدون لها في لبنان، يُدركون تماما أن حضورها الاقتصادي وتوظيف خبراتها على الأراضي اللبنانية سيعززان تماما دورهم في السلطة مهما حاولوا التخفيف من ذلك الآن، كما ان المعارضين لها يخشون أن يكون في تقدم ايران صوب لبنان بشكل رسمي كبير، اضعاف للحليف الأميركي وبالتالي لدورهم، خصوصا ان واشنطن أظهرت ضبابية وترددا كبيرا في سنوات ترامب حيال قضايا المنطقة وكادت تنسحب من سورية لولا ضغوط إدارات عسكرية وسياسية ونفطية أميركية وضغوط أوروبية.
أما وقد وافق الرئيس ميشال عون ضمينا على الخيار الشرقي حتى ولو انه يفضل عدم المجاهرة كثيرا فيه، ووافقت حكومة الدكتور حسان دياب علانية بعد يوم واحد من خطاب أمين عام الحزب، فثمة سؤال آخر يُطرح الآن: ماذا لو عرضت تركيا أيضا خدماتها ؟ وهذا لأسباب عديدة :
· أولا في لبنان قسم لا بأس به يؤيد تركيا ويفضلها تماما على ايران. ( ظهر ذلك بعد قرار الرئاسة بإحياء ذكرى قيام لبنان الكبير)
· ان لتركيا خبرات كبيرة في المجالات السياحية يحتاجها لبنان.
· ان تركيا لن تزعج أميركا لو عرضت سلاحا على الجيش ذلك انها جزء من حلف شمال الأطلسي واسلحتها غربية اطلسية بشكل عام. لا بل انها قد تحظى بتأييد أميركي على اعتبار ان حضورها يحد من الحضور الإيراني.
· ان تركيا لا تزعج روسيا لأنها على علاقة ممتازة معها.
· ان الموالين لإيران في لبنان لن يكونوا قادرين على مواجهة هذا الخيار علانية أولا لعدم اثارة نعرات مذهبية، وثانيا، وهذا هو الأهم، هو ان العلاقات التركية الإيرانية بقيت ممتازة حتى في أوج الاجتياح التركي لأراضي سوريا الحليفة لإيران.
هل يقبل العرب بذلك؟
الواقع ان الأطراف العربية المهتمة تاريخيا بلبنان، هي بين سندان تركيا ومطرقة ايران، لكنها عاجزة حتى الآن عن مواجهتها. يكفي أن نأخذ مثالا على ذلك ما حصل في ليبيا، فبعد كل العنتريات العربية، تم اخراج اللواء خليفة حفتر المؤيد عربيا ( ما عدى قطر طبعا) من المعادلة، وصارت ليبيا اليوم في معادلة الاتفاقات العسكرية والاقتصادية بين تركيا وحكومة الوفاق بقيادة السرّاج. أما في العراق فالتدخلات التركية عديدة، وفي سوريا تقيم تركيا حاليا منطقة عازلة مع مشاريع اقتصادية كبيرة توحي بطول البقاء ، فوفق مركز كارنيغي ، هناك في تركيا حاليا نحو 3 ألاف شركة تجارية سورية في تركيا، كما ان أكثر من 3.5 مليون سوري يعيشون بين تركيا وفي تلك المنطقة السورية الخضعة لهيمنة الجيش التركي.
خلاصة القول انه، ما لم يستعد العرب حضورهم السريع والفاعل في لبنان، فلا شيء يمنع انقسام الخيارات مستقبلا بين ايران وتركيا، وذلك فيما إسرائيل تستمر في انتهاك الأجواء اللبنانية يوميا، وهو أمر لن تمنعه الصين طبعا مهما ارتفع منسوب تعاونها مع الدولة اللبنانية، تماما كأميركا.