تحويل دور العبادة من دين إلى آخر، أمر مارسته الأديان على مر الأزمان على السواء، إذ توجد مساجد تحولت إلى كنائس والعكس صحيح، ولعل أجدد هذه الصروح الدينية قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد.
وكان السلطان العثماني محمد الفاتح حول كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجد إبان فتح القسطنطينية سنة 1453، قبل أن تتحول إلى متحف سنة 1934 في عهد الدولة التركية الحديثة.
وعلى الرغم من بعد لبنان جغرافياً عن تركيا، أثار هذا القرار اهتمام اللبنانيين، حيث انقسموا بين مؤيد ومعارض. ولكن، هل تعرفون أنّ في لبنان كنائس تحوّلت إلى مساجد ومساجد بُنيت على أنقاض كنائس؟
بيروت:
في بيروت، يعود أقدم مساجد العاصمة إلى القرن الثاني عشر، وهو الجامع العمري، وعرف أيضاً بجامع فتوح الإسلام.
تاريخ الجامع فريد؛ فبناؤه الحالي يعود إلى الفترة الصليبية، وشكله الهندسي هو الشكل المعتمد للكاتدرائيات؛ إذ شيّده الصليبيون خلال فترة حكمهم لبيروت، لكن في عام 1187 حوّل السلطان صلاح الدين الأيوبي الكنيسة إلى جامع بعدما احتل المدينة. ومع عودة الإفرنج عام1197، عاد الجامع ليصبح كنيسة القديس مرقس، وبقي كذلك حتى عام 1291 عندما استعاده المسلمون مع فتوحات السلطان المملوكي قلاوون. ويُعد المسجد من أجمل معالم العاصمة التي تخبر في جدرانها قصة ديانتين.
طرابلس:
يعتبر جامع الأويسية من أبرز المعالم التاريخية في طرابلس، يقع في محلّة باب الحديد عند طلعة السمك بجوار القلعة، وهو لا يحمل كتابة تشير الى تاريخ بنائه، إلا أنّ قبّته تعود إلى تاريخ 865هـ/1460م مما يحمل على الظن بأن بناءه كان في العصر المملوكي على يد رجل متصوف يدعى إسم محيي الدين الأويسي. وهو أحد شيوخ الطريقة الأويسية لذلك نسب هذا الجامع إلى أتباع طريقته، وعرف بجامع الأويسية.
في عهد السلطان سليمان القانوني، عام 941هـ/1534م، جدد نائب السلطنة في طرابلس الأمير حيدرة بناء مئذنة الجامع كما يظهر من نقش كتابي حفر في أعلاها، وفي عام 1224هـ/1809م، وبناء على طلب وجهاء الطائفة الأرثوذكسية في طرابلس تمّ الاتفاق بين المسلمين وأبناء الطائفة على تحويل كنيسة مار نقولا التي كانت قائمة بجوار جامع الأويسية، إلى مصلّى للمسلمين عرف بجامع السروة، وأعطي المسيحيون مكاناً آخر من محلة التربيعة لبناء كنيستهم عليه، وبعد ذلك ألحق مسجد السروة بجامع الأويسية واختفى اسم جامع السروة من لائحة جوامع المدينة.
أمّا المسجد المنصوري الكبير أو مسجد طرابلس الكبير، تم بناؤه في الفترة المملوكية، من عام 1294 إلى عام 1314، حول بقايا كنيسة القديسة مريم الصليبية.
مسجد العطار:
يقع في باب الحديد شمالي خان المصريين، وله ثلاثة أبواب. ويعود تاريخ بنائه إلى 720 هـ/1320م.
ويُعدّ هذا الجامع من أجمل جوامع طرابلس القديمة، وأجمل ما فيه بوابتاه الشرقية والغربية، ومئذنته التي تُعدُّ من أفخم مآذن طرابلس المملوكية. وليس لهذا الجامع صحن، أمّا بيت الصلاة فهو عبارة عن صالة واسعة تعلوها قُبّة تختلف عن سائر قباب طرابلس، مهندسه أبو بكر ابن البُصَيص كان من كبار المهندسين في عصره ببلاد الشام. وقد ذكر الداعية السوري محمد راتب النابلسي أن أصل هذا الجامع كنيسة: "قيل إنّ أصله كنيسة وقد عمّره رجل كان عطاراً وكان ينفق من الغيب فنسب إليه".
ويوافقه في الرأي كامل البابا الذي كتب وصف جوامع طرابلس لمحمود كرد علي، فقال: "والمشهور عند أهالي طرابلس أنه (أي جامع العطار) كان كنيسة في زمن الصليبيين، ثم تحول إلى جامع بعد الفتح الإسلامي". ورأى الدكتور عمر تدمري أنّ "سقف الجامع وخاصّة القسم القبلي منه يوحي لمن يراه بأنّه ليس بناءً إسلامياً ومن المحتمل أن هذا القسم ظلّ سليماً من الكنيسة الصليبية، ثم ألحق به القسم الشمالي حيث تقوم القبة وتنفتح بوابتا الجامع الشرقية والغربية".
صيدا:
لصيدا أيضاً جامعها العمري الذي بني على أنقاض كنيسة صليبية. الجامع الذي يعود إلى القرن الثالث عشر ميلادي هو أوسع جوامع المدينة ويطل على البحر.
ولأن البحر هنا مهم جداً، شيّد حسن بن سواح عام 1373م جامع البحر، وهو المعلم المملوكي الوحيد الذي لا يزال باقياً في المدينة.
البقاع:
بعلبك هي مدينة نشأة الإسلام في لبنان بامتياز؛ ففيها شُيّد أول مسجد. هناك، خلف معبد باخوس، يقبع أول جامع بُني في لبنان، هو مسجد "إبراهيم الخليل" الذي بناه المسلمون عقب فتحهم للمدينة سنة 635 ميلادية، ويعود محرابه إلى عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب.
ولأنّ مسجد القلعة لم يكن كافياً، قرر الأمويون بناء جامع كبير داخل المدينة على أنقاض كنيسة بيزنطية. هو أكبر مساجد المدينة على الإطلاق، يزيد طول قاعة الصلاة فيه على 60 متراً، وعرضها على 50 متراً، وزينت قاعته بـ30 عموداً من الغرانيت أو الحجر نقلت من المعابد الرومانية المجاورة، ولا تزال تزين بعضها تيجان كورنثية.
وكانت جدران المسجد ترتفع ثمانية أمتار، وكان قبل ترميمه في العقد الأخير يشبه بهندسته الجامع الأموي في دمشق. لكن المسجد خسر اليوم أهميته التاريخية. ويبقى مسجد رأس الحسين، في رأس العين ببعلبك، الذي شيد عام 681م واستخدمت في بنائه حجارة المعابد الرومانية، من أجمل مواقع المدينة الأثرية. وقد قام السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بتجديده وتوسيعه عام 1277 حتى أصبح بطول 50 متراً وعرض 38 متراً، وبداخله 22 عموداً موزعة، جعلت المسجد ثلاثة مساجد في مسجد واحد، وله محراب ضخم ومنبر من الصخر.
المصدر:
الأخبار - سفير الشمال - رصد لبنان 24