صحيحٌ أنّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري "يستعين بالكتمان لقضاء حوائجه"، وتأليف حكومته، ومثله يفعل رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تحرص أوساطه على تسريب أجواء "إيجابية" حتى إثبات العكس، إلا أنّ المعلومات المتوافرة تؤكّد حصول تقدّم، بنتيجة اللقاءات الثلاثة التي عقدها الرجلان في غضون أربعة أيام.
وبحسب الأجواء المُسرَّبة، فإنّ هذا "التقدُّم" سُجّل بشكلٍ أساسيّ على خطّيْن متوازييْن، الأول يتعلّق بحجم الحكومة، التي تمّ الاتفاق على أن تكون عشرينيّة، كحلّ وسط، بين طرح الحريري الذي كان يدفع نحو حكومة مصغّرة، وتفضيل عون حكومة من 24 وزيراً وفق قاعدة أن يكون لكلّ وزيرٍ حقيبته الخاصة، بعيداً عن تجربة "دمج" الحقائب.
أما الخطّ الثاني فيتعلق بالمداورة، التي تشير كلّ المعطيات إلى أنّها "حُسمت من حيث المبدأ" خلال اللقاء الأخير الذي جمع عون والحريري، مع "استثناء" حقيبة المال التي ستبقى ضمن "حصّة" الثنائي الشيعي، بموجب المبادرة التي سبق للحريري أن أعلنها خلال فترة تكليف مصطفى أديب، وأعاد التأكيد عليها بعيد تكليفه شخصياً.
اتفاق مبدئيّ...
هذا "الاستثناء" الذي مُنِح للشيعة فجّر "عقدةً" أثيرت في الأيام القليلة الماضية من أكثر من جانب، على رأسها اعتبار بعض القوى أنّ المداورة إما تكون شاملة وإما لا تكون، وذهب البعض إلى حدّ القول إنّ "التيار الوطني الحر" لن يرضى بالتخلّي عن "الطاقة" مثلاً، من منطلق "المعاملة بالمثل"، الأمر الذي كان من شأنه أن "يطيح" بالحكومة، وبالمبادرة الفرنسية، عن بكرة أبيها.
ولعلّ ما زاد الطين بلّة ما أثير عن أنّ "حزب الله" الذي اطمأنّ إلى بقاء "المال" ضمن حصّة حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أراد أن يتمسّك بدوره بحقيبة الصحّة، مستنداً إلى تجربة الوزير الحاليّ حمد حسن، والذي نال "استحسان" الحلفاء والخصوم، ما يعطيه "أفضليّة" للبقاء في موقعه، خصوصاً أنّه العارف بدهاليز المواجهة المستمرّة مع كورونا وغيرها.
إلا أنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى "اتفاق مبدئي" على حسم هذه "العقدة" جرى في الساعات الأخيرة، بعد "مبادرة" الحريري لتطبيق المداورة على نفسه أولاً، عبر التنازل عن حقيبة "الداخلية" لتذهب إلى "التيار الوطني الحر"، الذي وافق في المقابل على القبول باستثناء "المال"، شرط عدم تكريس أيّ "عرف"، وتسريب محيطين بـ "حزب الله" التخلي عن "الصحة"، شرط استبدالها بحقيبةٍ وازنةٍ تعادلها قيمةً وأهمية.
"عُقَد" على الطريق؟!
لكنّ حسم عقدة "المداورة"، ولو من ناحية "مبدئية"، تبقى مهدَّدة بـ "شياطين التفاصيل" التي قد تظهر على جري العادة في ربع الساعة الأخير، لا يعني أنّ التشكيلة الحكوميّة باتت "على النار" فعلياً، خصوصاً أنّ اللبنانيين اعتادوا، مع كلّ تأليفٍ حكوميّ، على أن ينتج عن حلّ كلّ عقدة، ظهور عقدةٍ أخرى.
في هذا السياق، ثمّة من بدأ في الساعات الأخيرة، الحديث عن "عقدةٍ درزيّة" تلوح في الأفق، ظهرت "بشائرها" من خلال اللقاءين اللذين عقدهما رئيس الجمهورية مع رئيسي "الحزب الديمقراطي" طلال أرسلان وحزب "التوحيد العربي" وئام وهاب، ومطالبتهما بـ "حصّة" في الحكومة. لكنّ أوساط الأحزاب الدرزية المختلفة تؤكد أنّ "لا اتجاه للتعقيد" على الإطلاق، بل إنّ بعض القريبين من النائب السابق وليد جنبلاط يؤكدون أنّه لم يطلب شيئاً لنفسه من الأصل، بل كان طلبه يتعلّق بحصّة "وازنة" للطائفة الدرزية ككلّ، بمُعزَلٍ عن هوية الوزراء، الذين لا بدّ أن يكونوا من الأخصائيّين وغير الحزبيّين.
وفي مقابل "الإيجابية الظاهرة" على الخط الدرزيّ، ثمّة من يتوجّس من رفع بطاقة "اللقاء التشاوري" في اللحظة الأخيرة، تماماً كما حصل مع حكومة الحريري السابقة، حين أدّت هذه العقدة إلى تأخير ولادة الحكومة لأسابيع طويلة. لكنّ هذه العقدة تبقى مُستبعَدة حتى إشعارٍ آخر، أولاً لأنّ الوزراء سيكونون جميعاً من غير الحزبيّين، وثانياً لأنّ "حزب الله" و"أمل" اللذين مانا على بعض أعضاء "اللقاء" المتفكّك لتسمية الحريري، ليسا بوارد "تلغيم" مهمّة الأخير، وثالثاً، وربما الأهمّ، لأنّ الحريري نفسه ليس بوارد الدخول في "عقدةٍ" من قلب البيت السنّي، تؤخّر ولادة حكومته.
كلّ شيء يوحي بأنّ الأجواء إيجابيّة، وأنّ الحريري يخوض سباقاً مع الوقت، لإعلان حكومته بسرعةٍ "قياسيّة" نسبةً إلى سواها من الحكومات. لكنّ "الحذر" يبقى "واجباً"، استناداً ليس إلى التجربة فحسب، ولكن أيضاً إلى "الشياطين" الكامنة في التفاصيل، وبالموازاة، في بعض "النفوس"، إن جاز التعبير...