كتب منير الربيع في "المدن": ثمة ما لا بد من التوقف عنده في مسار تشكيل الحكومة المتسارع. وهو ما يدفع القوى المحلية إلى تسريع الاتفاق على ولادتها: الارتفاع التدريجي في منسوب الاهتمام الدولي بلبنان. وسيستمر هذا الارتفاع بعد ترسيم الحدود، وما يترتب عليه من تبعات.
الحريري رجل المرحلة؟
وفي هذا الوقت المستقطع، تبحث كل من الأطراف الداخلية في لبنان عن تعزيز موضعه السياسي، من خلال مساعي تشكيل الحكومة. وهذا ما تعكسه حركة الرئيس المكلف سعد الحريري السريعة. فهو عقد لقاءات كثيرة مع رئيس الجمهورية في أيام قليلة. وهدفه إنهاء أي عقدة مسيحية، يسهل حلّها تشكيل الحكومة في أيام قليلة، لجهة توزيع الحقائب على القوى الأخرى.
بعد انتهاء الاتفاق بين عون والحريري، يفترض أن يلتقي الحريري بالرئيس نبيه برّي وبالخليلين، لوضع اللمسات الأخيرة على تشكيلته.
الأرجح أن البدء بمفاوضات ترسيم الحدود سبقته تنازلات ما. ويتزامن هذا مع استعجال سعد الحريري تشكيل حكومته، راغباً في أن يلعب دوراً سياسياً إقليميا ودولياً، تؤهله إليه علاقاته مع القوى الخارجية والغرب. وهو من يشكل صلة وصل مع القوى الداخلية بما فيها حزب الله. وهذه التقاطعات دفعت سعد الحريري إلى التقدم وتلبية شروط المرحلة، التي لا يُعرف هل ستكون طويلة أم قصيرة المدى.
حاجة محلية ودولية
توفر عودة الحريري رئيساً للحكومة، إطلالة خارجية لحزب الله. ويوفر أيضاً المزيد من التدخل الدولي في عمق الأزمات اللبنانية. وفي طليعتها المفاوضات مع صندوق النقد. ويمثل الحريري في هذا السياق حاجة للجميع. فهو أولاً حاجة للسنّية وللعهد وللثنائي الشيعي. وللأميركيين ثانياً. وثالثاً هو من لديه حضوره الدولي.
والأهم أن لحظة الحريري الراهنة أتت بعد انكشاف الانتفاضة الشعبية، وبحث الأطراف السياسيين عن استعادة أدوارهم في غيابها، واكتشاف حزب الله خواء مشروع جبران باسيل. وأبرز الدلائل على ذلك إسقاط حزب الله اقتراح عون وباسيل تشكيل حكومة شبيهة بحكومة حسان دياب، بترشيحهما جواد عدرا أو فؤاد مخزومي. ومستقبلاً ينطوي هذا على المزيد من التطورات في العلاقة بين حزب الله وكل من عون وباسيل.
وجاء الدخول الدولي - الأميركي خصوصاً - بقوة من بوابة ملف ترسيم الحدود، الذي صار في يد الرئيس عون، المتقاطع مع حزب الله، والراغب في تحسين علاقاته الغربية، الأميركية خصوصاً.
ووسط هذه التشابكات الداخلية والخارجية بين خطوط وأطرف كثيرة، سيجد حزب الله نفسه في متاهة من المواجهات الجديدة مع المجتمع الدولي، وتتعارض مع وجوده والدور الذي يلعبه على الساحة اللبنانية.
استظل الجميع بالمبادرة الفرنسية، لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. الحريري هو أكثر المستفيدين من هذه المبادرة. فباريس تؤيده. وهو بذلك نجح في تشكيل توازن مكنه من إصلاح الوضع مع الأميركيين، أو فتح طريق تحسين علاقته بهم.
لذا، قد يبدو حضور الحريري أنه يسهل لأي طرف تمرير ما يريده. وبمعنى آخر: حزب الله يبحث عن تهدئة. وواشنطن تبحث عن التعامل مع حكومة لإقرار ملف ترسيم الحدود ومندرجاته التي ستأتي في ما بعد. وهناك الشروط الاقتصادية والمالية التي سيفرضها صندوق النقد الدولي على لبنان .
تحولات حزب الله
هذه التطورات فرضت على حزب الله تحولاً كبيراً في توجهاته السياسية داخلياً. فهو لم يعد قادراً على تحمّل الأزمة واستفحالها، ولا على تحمل المسؤلية منفرداً. لذا لجأ إلى شراكات داخلية واسعة. فاختلف الوضع جذرياً عما كان عليه عندما حصر علاقته الاستراتيجية بميشال عون وحده.
ويجد حزب الله نفسه اليوم في حاجة إلى مراعاة القوى السياسية كلها: الحريري، جنبلاط، والقوى المسيحية المعارضة لعون، وحتى بكركي. ويستثمر حزب الله هذه الظروف لإعادة صوغ علاقات سياسية تختلف عما كان عليه الوضع بعيد انتخاب ميشال عون. حزب الله الآن يلتقط أنفاسه، يعيد تجديد دوره ووجوده وتكريس نفسه مجدداً كحاجة للآخرين. هو في مرحلة إعادة تدعيم وجوده واستيعاب التحولات التي حصلت في المرحلة السابقة.