غريب أمر أهل السلطة عندنا في لبنان. كأن شرش الحياء قد طقّ لديهم. لا من يسأل ولا من يراقب ولا من يحاسب. كل ديك فوق مزبلته صيّاح. يأتي موفد ويذهب آخر والوضع على حاله. "دقّ المي مي". و"تيتي تيتي متل ما رحت متل ما جيتي".
لا البهدلة تنفع مع هذا الصنف من البشر، ولا التهديدات. وحتى لا العقوبات. قيل لهم أن لم تؤلفوا حكومة في خلال أسبوعين فسيطير مؤتمر الدعم للبنان المزمع عقده في باريس. لم يهتمّ أحد. بقي القديم على قدمه، وبقيت المطالب هي نفسها. كل واحد يريد أن يستحصل على حقيبة دسمة ليتمكّن من تعويض ما فاته خلال السنة المنصرمة، وهي سنة شح وجفاف. مصلحة البلد آخر همهم. من منهم يهتمّ؟ لا أحد.
جاء الموفد الفرنس باتريك دوريل. جال على الجميع. ذهب إلى الضاحية الجنوبية. قصد الرابية (منزل جبران باسيل). لم يترك جهة سياسية إلا والتقاها. أسمع الجميع، مولاة ومعارضة، الكلام نفسه. أعاد التذكير بكلام رئيسه الأخير في قصر الصنوبر. رسم صورة قاتمة عن مستقبل لبنان إذا لم يبادر اللبنانيون إلى لملمة ما يمكن لملمته. الواضح أنهم لن يبادروا. هذا هو الظاهر. غادر دوريل لبنان خالي الوفاض. ما عساه أن يقول لرئيسه؟ هل يقول له إن المسؤولين اللبنانيين لا يهتمّون لمصير بلدهم؟. كل واحد منهم يغنّي على ليلاه. هل يقول له أنهم صمّموا على أن يصمّوا آذانهم؟ لا يريدون أن يستمعوا إلى نصيحة أحد. يرفضون أي حلّ يُعرض عليهم. لا يأبهون لما ستؤول إليه حال بلادهم. لا يهمّهم إذا جاع الشعب، وقد بدأت المجاعة تدّق ابوابهم. ما يهمّهم أن تبقى وزارة المال للشيعة، ووزارة الطاقة لـ"التيار الوطني الحر" بلباس أرمني. وزارة الخارجية للموارنة (من حصّة رئيس الجمهورية). وزارة الداخلية للسنّة (تيار "المستقبل").
ويسأل سائل: هل يا ترى ستبقى وزارات في حال إنهار البلد؟ هل تعود تنفع وزارة المالية للشيعة إذا لم يبق في الخزينة فلس واحد؟ هل ينفع "التيار البرتقالي" وزارة الطاقة بشيء إذا إنقطعت الكهرباء كليًا عن المنازل والمؤسسات والشركات والطرقات؟ هل تنفع رئيس الجمهورية وزارة الخارجية إذا قاطع العالم لبنان؟ هل تنفع تيار "المستقبل" وزارة الداخلية إذا أصبح الوضع الأمني مسيّبًا وحياة الناس مستباحة؟
ماذا ينفع المسؤولين لو ربحوا كل الوزارات وخسروا لبنان؟ ماذا تنفعهم المراكز والمناصب والألقاب إذا قرّر الشعب يومًا أن يقول كلمته الفاصلة، سواء في الشوارع أو في صناديق الإقتراع؟
مَن من هؤلاء يريد مصلحة البلد؟ وهل من يريد لبلده الخير يتصرّف كما يتصرّفون، وقد إئتمنوا على مصالح الناس؟
عن جدّ لقد طقّ شرش الحياء عند هذه الفئة من المسؤولين، وهم مسؤولون بالإسم فقط، وقد خانوا الأمانة.
مع هؤلاء يمكن القول "فالج لا تعالج"، حتى ولو كان آخر الدواء الكيّ.