لم يعد ينقص اللبناني سوى أن يُعلن عن رفع الدعم عن الطحين والدواء والمحروقات حتى يصبح وضعه شبيهًا بوضع بيافرا، أو حتى يصبح البلد فاقد مواصفات العيش فيه.
واقع مؤلم ومرّ. ومهما حاول البعض تجميله يبقى مشوّهًا، وأقرب إلى المسخ.
هذه هي النتيجة التي وصل إليها أكثر الناس تفاؤلًا، فكم بالحري بالنسبة إلى الناس المتشائمين.
لا شيء يدعو إلى الطمأنينة والإرتياح. البلد يغرق كل يوم أكثر من اليوم الذي عبر. لا أحد يهتمّ أو يبالي.
لسنا نغالي. خذوا مثلًا حرب البيانات بين مكتبي الإعلام في كل من القصر الجمهوري و"بيت الوسط". شيء يدعو إلى الخجل والإكتئاب. لم تعد هناك من حدود في عدم إحترام وجع وقلق وخوف هذا الشعب، الذي يرى غول الجوع هاجمًا عليه ليفترسه ولا من يحميه. مأساة ما بعدها مأساة. هل تتخيلون مصير الملايين من الناس، الذين سيجدون بين ليلة وضحاها أن العيش في لبنان لم يعد متاحًا، ولو بالحدّ الأدنى من مقومات الصمود. ولولا المساعدات التي تأتي من المغتربين إلى أهاليهم لكان الوضع أسوأ.
أمّا بعد، فلنا عودة إلى المعادلة االقاتلة، التي كشفتها البيانات "الرئاسية"، وهي محبطة. هذه المعادلة تقول إن لا حكومة إذا لم تقترن بتوقيع رئيس الجمهورية. هكذا يقول الدستور. وهذا يعني أن لا إمكانية لتشكيل حكومة غير متطابقة مواصفاتها مع رغبات الرئيس وفريق عمله، ومن ضمن هذا الفريق أو على رأسه الوزير السابق جبران باسيل. و"عمرها" ما تتشكل حكومة إذا لم تكن على ذوق الصهر. ألم يفعلها مرّة عندما لم يكن رئيسًا للجمهورية؟
وهذه المعادلة تقول أيضًا أن الرئيس المكّلف، ومهما وضعت في طريقه العراقيل والمطبات لن يعتذر، وسيبقى مصرّا على ممارسة صلاحياته الدستورية حتى آخر يوم من عهد الرئيس عون.
الخلاصة المؤلمة لهذه المعادلة المرّة أن زيارة الرئيس الفرنسي بعد أيام لبيروت ستكون كسابقاتها، وربما قد تكون الأخيرة في المحاولات اليائسة للرئيس ماكرون، وبعدها الطوفان.
ماذا تنتظرون من الرجل؟ أن يكون لبنانيًا أكثر من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم؟ ما عساه سيقول لرئيس الجمهورية عندما يستقبله؟ هل سيقول له أنكم، أي أهل السلطة، لا تستأهلون هذا البلد الجميل؟
هذا الكلام سيقال ليس فقط لرئيس الجمهورية بل لكل واحد من أهل السلطة، الذين ساهموا بطريقة أو بأخرى في خراب البلد وإفلاسه، وتشريد أهله بعد تجويعهم.
قد تحمل زيارة ماكرون للبنان هذه المرّة عنوانًا مختلفًا عن السابق. ربما ستكون المرّة الأخيرة، التي يرى فيها لبنان، الذي أراده أن يكون أحسن مما هو عليه. ربما ستكون هذه الزيارة، قبل عيد الميلاد، بمثابة إلقاء النظرة الأخيرة على لبنان – الرسالة، وعلى لبنان البابا القديس بولس الثاني، ولبنان الكبير، الذي طوي بإنطواء مئويته الأولى.
قد يكون هذا الكلام ذروة في التشاؤم، ولكنه على رغم مرارته يعبّر عن الواقع المعيوش والمزري.
وعلى رغم سوداوية الوضع فإن "الأمّ الحنون" لا تزال تحاول إصلاح ذات البين، وإن كانت تعلم أن مساعيها الخلاصية لن تلقى آذانًا صاغية، ولكنها ستحاول لعلّ وعسى.
ومن غير المستبعد أن يلغي زيارته للبنان. وهنا الطامة الكبرى.