لم يكن العام 2020، الذي يطوي اليوم آخر صفحاته، مألوفاً في أيّ من تفاصيله ومحطاته. كان أقرب لـ "الكابوس" على صعيد العالم بأسره، بعدما حاصره وباء كورونا، فقيّده وكبّله، وخلّف تداعياتٍ اقتصاديّة "كارثيّة"، تُرجِمت ركوداً غير مسبوق، وتضخّماً هائلاً، وبطالةً لا ترحم، وكلّها أمورٌ لن يكون تجاوزها بالأمر اليسير.
لكنّ كلّ ما سبق يبقى "رحمة" بالنسبة إلى اللبنانيّين الذين شهدوا خلال هذا العام على ما لم يتخيّلوه في حياتهم، حتى أنّ الوكالات والمنظمات الدولية قبل المحلية، أجمعت على "تصنيف" هذا العام باعتباره "الأسوأ" منذ الحرب الأهلية اللبنانية، بل هناك من ذهب لاعتباره "أسوأ" من الحرب نفسها، لاعتباراتٍ متفاوتة.
لا "مبالغة" في مثل هذا الاستنتاج، فالعام 2020 كان عام "الكوارث" بامتياز، وعلى كلّ الصعد، من الأمن الهشّ، الذي شهد "أفظع" تجلياته في انفجار الرابع من آب المشؤوم، إلى الاقتصاد المُنهار، الذي بدّد أحلام اللبنانيّين بعدما أدركوا أنّهم فقدوا "جنى عمرهم"، إلى فراغ السياسة، على وقع الشكاوى من مؤامراتٍ لا تنتهي...
اليوم المنحوس
يكاد الرابع من آب يختصر "نحس" هذا العام بـ "أقبح" صوره على الإطلاق، وهو الانفجار الذي لا يزال طيفه حاضراً في يوميّات اللبنانيّين، وبالتحديد في "كوابيسهم" التي باتت تلازمهم، سواء منهم مَن تضرّروا منه بشكلٍ مباشِر، عبر فقدان أحبّتهم أو خسارة منازلهم أو زوال مورد رزقهم، أو من تأثّروا به بشكلٍ غير مباشر، علماً أنّ الأضرار "النفسية" بعيدة المدى قد تكون خطورتها موازية، وربما أكثر.
وعلى رغم مرور نحو خمسة أشهر على الانفجار، لا يزال اللبنانيون يطرحون الأسئلة التي لا تنتهي عن "حقيقة" ما حصل، وعن خلفيّات "الإجرام" الذي حوّل عاصمتهم بالكامل إلى مدينة "منكوبة"، عن الإهمال والتقصير الذي سمح بتخزين كميات هائلة من المواد الشديدة الخطورة قرب مناطق سكنية مأهولة لمدّة ستّ سنوات، من دون مراعاة إجراءات السلامة، عن المسؤوليات التي لا بدّ من تحمّلها، بعيداً عن "المهاترات" التي لا تقدّم ولا تؤخّر.
وكأنّ "المأساة" التي اختزلها هذا التفجير لا تكفي، هو الذي أدّى إلى استشهاد وإصابة الآلاف، جاء "تسييس" الملف ليزيد "معاناة" ذوي الضحايا، علماً أنّ التحقيقات "مُعلَّقة" منذ أكثر من عشرة أيام على خلفية مذكّرة تقدّم بها الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر لتغيير المحقق العدلي، بسبب ادّعائه عليهما، فيما يخشى كثيرون من أن يكون كلّ ما يحصل على خط الملف مقدّمة لإقفاله، تماماً كما حصل مع الكثير من القضايا الجوهريّة سابقاً.
إحباطٌ... ويأس!
كشف انفجار مرفأ بيروت "فظاعة" النظام وهشاشته، لكنّ نتيجته الفوريّة كانت رفع مستوى "الإحباط واليأس" لدى اللبنانيّين، ممّن عاشوا ما يكفي من "الخيبات" خلال العام 2020، وإن شكّلت، وفق ما يقول المراقبون، نتيجة طبيعية لتراكماتٍ طويلةٍ من السياسات الخاطئة وغير المسؤولة، التي أوصلت البلاد إلى الانهيار، أو إلى "جهنّم" وفق مقولة رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه.
ولعلّ الأزمة الماليّة المتفاقمة التي شهدها اللبنانيون هذا العام من أبرز مظاهر هذا "الانهيار"، أو ربما "الإفلاس"، بعدما غدا الدولار "نجم العام" من دون منازع، وكما لم يكن في أيّ فترةٍ سابقةٍ من التاريخ اللبناني الحديث، حتى أنّه بات "الشغل الشاغل" للكثيرين ممّن يستيقظون وينامون وهم يسألون عن "سعر الصرف" الذي ارتفع بوتيرةٍ "جنونيّة" أحياناً، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الأسعار التي "حلّقت" بدورها، بما يتجاوز قدرات اللبنانيين وطاقتهم.
ولم توفّر أزمة الدولار المصارف من تداعياتها، بعدما تيقّن اللبنانيّون بأنّ ودائعهم الماليّة فيها أصبحت "حبراً على ورق"، باعتراف المسؤولين عن القطاع، رغم كلّ محاولات "تلطيف" الواقع، تارةً بالحديث عن "عملةٍ وطنيّة" فقدت وهجها، وطوراً بتقديمٍ وعودٍ وهميّة على طريقة "المسكّنات"، فيما بات أصحاب الودائع عاجزين عن استخدام "جنى العمر" حتى في أبسط المعاملات، ومحرومين من اعتماده دوليّاً، بأيّ حالٍ من الأحوال.
ولأنّ السياسة لم تشهد خلال العام سوى "الفراغ القاتم"، في ظلّ حكومةٍ حكمت لبضعة أشهر من دون أن تنتج وتنجز شيئاً، ولم تجد من "يخلفها" بعد الاستقالة، و"عهد" يصنّف نفسه بـ "القويّ"، ويشكو من "مؤامراتٍ" بالجملة تواجهه، فهي تغيب عن "جردة" العام، التي يبقى المعبِّر الأكبر عنها ما يُحكى عن معدّلات الهجرة التي تخطت معدّلاتها العالية المعتادة، علماً أنّ البعض قرع بابها، ليس بحثاً عن مورد رزق، ولكن "هرباً" من "جهنّم لبنان"!