"بمزيد من الأسى واللوعة ننعي إليكم حكومة "المهمة" برئاسة الرئيس المكّلف سعد الحريري"، وبالتالي ننعي إليكم ما تبقى من لبنان البطريرك الحويك، لبنان الزمن الجميل، لبنان رجالات الدولة، ولبنان العزّ والمجد.
هكذا نعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من خلال فيديو مسرّب، ومن وراء الكمامة، أي إمكانية لتشكيل حكومي في القريب المنظور، متّهمًا الحريري بـ"الكذب".
قبل يوم شنّ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حملة واسعة ضد "الحريرية السياسية"، ولم يترك أي شيء يُقال ضد الحريري إلاّ وقاله.
إن هذا الفيديو وما تضمنه من أحرف مشقلبة فضح المستور وغير المستور، وكشف أيضًا أن القصة ليست قصة رمانة بل قلوب مليانة.
القصد من كل ذلك دفع الحريري إلى التسليم بعدم إمكانية المساكنة الحكومية بينه وبين العهد وصهره، و"إجباره" على الإعتذار، والعودة بالبلاد إلى نقطة الصفر، وإلى غستشارات نيابية ملزمة لن تتّم هذه المرّة قبل أن يبصم الرئيس المكّلف الجديد، في حال إعتذار الحريري وهو أمر غير وارد، مسبقًا على "حكومة باسيلية" بإمتياز يكون له فيها حصّة الأسد من الوزارات "الدسمة"، ومن بينها الداخلية والعدلية والثلث الضامن وتسمية أغلبية الوزراء وليس المسيحيين فقط، بإستثناء وزراء الثنائي الشيعي والوزراء الدروز.
فلو كان الرئيس الحريري "طيّعًا" و"مطواعًا" لكانت حكومته قد أبصرت النور منذ زمن بعيد، ولم يكن ثمة مشكلة معه شخصيًا. أمّا أنه يريد تطبيق الدستور بروحيته وحرفيته فهذا ما لم يرضِ "الصهر"، وهو الذي كشف عن نفسه في مؤتمره الصحافي أمس الأول، بأنه هو وراء تعطيل أي إمكانية لتشكيل حكومة يترأسها الحريري، وأن كل ما قيل عن مبادرة ومساعٍ قام بها البطريرك الماروني لم تكن سوى المزيد من تضييع الوقت، وذلك من خلال حفلات التذاكي الذي يتقنها ويمارسها باسيل بحرفية ومهارة.
بالمختصر المفيد لا حكومة للبنان في الأفق المنظور، لأن الحريري ليس في وارد الإعتذار... وليبقى ما تبقّى من العهد في حالة فراغ لا مثيل لها، في ظل حكومة تصريف الأعمال، التي لا تصرّف شيئًا، وكأنه مكتوب على لبنان أن يبقى معلقًا على صليب الأزمات حتى إنقضاء السنوات الثماني العجاف.
فلو أتى الحريري هذه المرّة كما في المرّة الأولى ومعه تسوية رئاسية تصّب في خانة العهد لكان أمر تشكيل الحكومة ولا أسهل، ولكان عندنا اليوم حكومة كاملة المواصفات كما كانت عليه الحال في المرتين السابقتين، ولما كان النائب باسيل مضّطرًا لعصر بنات أفكاره وصبّها بقالب مليىء بالهرطقات الدستورية، ولما كان رئيس الجمهورية قال ما قاله عن الحريري، وهو كان يعرف أن كاميرا القصر الجمهوري تلتقط الصورة والصوت معًا.
هذا الواقع يفرض نفسه بكل ما فيه من سوداوية وأسباب لليأس والقنوط على الناس الذين تهافتوا على السوبرماركات والأفران عشية الإقفال التام غير محترمين التباعد الإجتماعي وغير متقيدين بوضع الكمامة، فيما عدّاد كورونا يستمر في تسجيل الأعداد المتصاعدة، وهذا كله بكفة وما يجري في الكواليس السياسية في كفّة أخرى، خصوصًا أن ما كان يُحكى داخل الجدران اصبح يقال في العلن وقد اصبح على كل شفة ولسان، وهو أمر لم نشهد مثيلًا له حتى في عزّ الحرب اللبنانية، حيث كان للتخاطب السياسي أصوله وقواعده، وذلك يوم كان في الدولة رجال دولة.