لم تمر عطلة نهاية الأسبوع بهدوء، ان على الصعيد الحكومي أو على صعيد التحركات في طرابلس. ففي الشق الأول وعلى الرغم من الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالرئيس ميشال عون، والذي بدأ التعويل عليه لتحريك الملف الحكومي، الاّ ان حرب البيانات بقيت على وتيرتها بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل ما ينذر بعدم اقتراب الولادة الحكومية. أمام في طرابلس فقد شهدت أمس توترات بعد ان ساد الهدوء الحذر قبلها في ساحة النور، بعد وصول مجموعة من المحتجين من عدد كبير من المناطق.
ايمانويل ماكرون يعود بقوة
اذا، عاد إيمانويل ماكرون بقوة إلى المشهد الحكومي وعادت معه الروح إلى المبادرة الفرنسية، وليس اتصاله برئيس الجمهورية ميشال عون سوى فاتحة اتصالات ضاغطة باتجاه التأليف، ولا يبدو أن "سماعة الهاتف" ستنزل من يده قبل أن "يُسمع المعنيين ما يجب أن يسمعوه ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم"، حسبما نقلت مصادر مواكبة للزخم الفرنسي المستجد، موضحةً أنّ الرئيس الفرنسي "لن يقع مجدداً في فخ المراوغة الذي نصبه السياسيون للمبادرة الفرنسية، بل هو سيتعامل بأسلوب مختلف هذه المرة، بحيث سيعمل من ناحية على تعرية المطالب التحاصصية وتبديد كل ما تختزنه من معايير وبدع لا تمت إلى الإصلاح بصلة، ونسف مبدأ الثلث المعطل الذي يهدد آليات عمل حكومة المهمة الإنقاذية، على أن يُفعّل من ناحية أخرى قنوات التنسيق مع الرياض لنسج تصوّر مشترك معها إزاء سبل تطبيق ودعم خريطة الطريق الفرنسية في لبنان،" بحسب "نداء الوطن".
وفي هذا الإطار، علمت "نداء الوطن" أنّ ماكرون الذي أعاد تفعيل خط الاتصال المباشر مع المسؤولين اللبنانيين، من خلال اتصاله نهاية الأسبوع بعون، قام في الآونة الأخيرة بتسخين خطوط التواصل الفرنسية - السعودية حول الملف اللبناني، إذ لم تقف الأمور عند حد النداء الذي وجهه إلى القيادة السعودية بأن "لا تتخلى عن لبنان وتتركه لمصيره"، بل أعقبه تواصل حثيث بين باريس والرياض بهدف إنضاج رؤية مشتركة ترتكز في جوهرها على القواعد التي أرستها المبادرة الفرنسية، بغية إعطائها قوة دفع عربية تساهم في إخراج لبنان من أزمته التي تزداد تعقيداً وحراجة.
وبينما تؤكد المعلومات المتوافرة عن أجواء اتصال ماكرون بعون، أنّ الأخير لمس إصرار الأول على تشكيل الحكومة "فوراً وبلا إبطاء"، يتوقع المعنيون بالملف الحكومي أن يرتفع منسوب الضغط الفرنسي خلال الفترة المقبلة وأن تتكثف الاتصالات وحركة الموفدين على أكثر من خط، سواء بين باريس وبيروت أو بين باريس والرياض، لا سيما وأنّ الرئيس الفرنسي تمكّن، بعد دخول جو بايدن البيت الأبيض، من حيازة دعم أميركي صريح للمضي قدماً في إنجاز الحلول للأزمة اللبنانية، لذلك فإنّ اكتمال دائرة المظلة الخارجية للبنان بات يحتاج إلى تزخيم قنوات التواصل الفرنسي المباشر مع القيادة السعودية، من باب التشديد على أهمية المحافظة على استقرار لبنان وعدم التخلي عنه.
ومن هنا، كشفت مصادر معنية لـ"النهار" انه في انتظار بلورة الاتجاهات الفرنسية وما اذا كانت ثمة اتجاهات سريعة لاحياء المبادرة، فان التقديرات الأولية تشير الى ان هذا التحرك ربما يستند الى طرح تعديلات على المبادرة لجهة اخراج الحكومة العتيدة من قفص التعطيل وهو ما قد يستتبع وساطة فرنسية بين بعبدا وبيت الوسط لأحداث تعديلات محتملة في التركيبة الحكومية.
ومع ذلك يتعين انتظار الأيام المقبلة لترقب ما اذا كانت الاتصالات التي شرع فيها ماكرون تشكل مؤشرا لاطلاق دينامية متجددة ام لجس النبض لا اكثر. حتى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعول على المحاولة الفرنسية الأخيرة للمساهمة في تأليف الحكومة ويرى ان ما يطلق من ردود وشروط من هنا وهناك "ليس منزلا".
في هذا الوقت، علمت "اللواء" أن الرئيس الفرنسي أجرى إتصالاً مماثلاً مع الرئيس المكلف ووضعه في أجواء المحادثة مع الرئيس عون، مشجعاً على أهمية إعادة التواصل بينهما، للتوصل إلى صيغة مقبولة لحكومة الإختصاصيين.
بري مستاء
وعلى المقلب اللبناني، لاحظ زوار الرئيس نبيه بري، بحسب "اللواء" استياءه من التعثر في تشكيل الحكومة ولاحظت بانه في صدد القيام بخطوة ما او اعلان موقف لم يكشف عنه بخصوص ازمة تشكيل الحكومة الجديدة التي تزداد تعقيدا يو بعد يوم.
وعلمت "النهار" انه سيكون لبري اليوم موقف من التأخير الحاصل في ولادة الحكومة وسيأتي موقفه هذا بعد امتناعه وانقطاعه عن التعليق طوال الأسابيع الأخيرة حيال المراوحة الحكومية المفتوحة. وسيلتقي رئيس المجلس السفيرة الفرنسية آن غريو في عين التينة اليوم.
اللواء إبراهيم يحقق إختراقاً
وسط هذه الأجواء، ترددت معلومات أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كان قد تلقى إتصالا من باريس لمتابعة ما توصلت إليه مساعيه، ولإطلاعه على نتائج إتصال ماكرون بعون والحريري.
وعلمت "اللواء" أن اللواء إبراهيم إلتقى الرئيسين عون والحريري بعد إتصال ماكرون بهما، وإستطاع أن يحقق خرقاً في جدار الأزمة الشخصية بينهما، ستظهر نتائجه خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث يتم وصل ما إنقطع بين الرئيسين، وعودة الحريري إلى زيارة بعبدا.
وثمة تكتم حول التقدم الذي أحرزته مساعي اللواء ابراهيم مؤخراً، حرصاً على عدم تعرضها "لنيران صديقة" من فريق العهد.
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" أن اتصال الرئيس الفرنسي بالرئيس عون فتح المجال أمام المتابعة الفرنسية المتجددة والمباشرة للوضع في لبنان ولاسيما الملف الحكومي. وقالت أن الاتصال كان بمثابة الافتتاح لأتصالات مقبلة دون أن تحدد توقيتها. وفهم أن الرئيس الفرنسي اطلع من الرئيس عون حول تطور الملف الحكومي في حين ذكر الرئيس ماكرون بأهمية مبادرته.
ورأت المصادر إنه ربما لم تحضر التفاصيل إنما تمكن الرئيس الفرنسي من تكوبن الفكرة لدراسة الخيارات المتاحة حول هذه المتابعة اما من خلال تدخله أو تكليف أحد المسؤولين الفرنسيين.
ولفتت إلى أنه حتى الآن ما من أفكار جاهزة بإنتظار رسم الصورة عن دخول فرنسا على الخط ولا سيما أن أي تحرك لا بد من ترافقه مساع داخلية معينة أو تحرك داخلي.
وتحدثت المعلومات عن اتصال هاتفي جرى بين الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تردّد انه تناول قضية "الثلث المعطل".
التدقيق الجنائي
وتوازياً، وصفت أوساط متابعة الهجمة العونية المتصاعدة في ملف التدقيق الجنائي بأنها مجرد محاولة لتغطية "السموات بالقبوات" في مسار تعطيل ولادة الحكومة. ورأت أنّ باسيل "حين استشعر أنه استنفد أسلحته في مواجهة إمكانية ولادة الحكومة، وتساقطت الشعارات التي رفعها من "وحدة المعايير" مروراً بـ"عدالة التمثيل" وصولاً إلى إحقاق "الشراكة المسيحية"، من دون أن تفلح أي منها في تغطية نزعته التحاصصية، كان واضحاً أنه قرر "نقل البارودة" إلى كتف التدقيق الجنائي، وهو ما بدا جلياً من خلال تصريحات عون الصحافية التي زجت بهذا الملف في إطار الصراع مع الرئيس المكلف، ولاحقاً محاولة تحريض الرئيس الفرنسي هاتفياً على الحريري من خلال اتهامه بأنه يريد الإطاحة بالتدقيق في حكومته عبر وزارة العدل، وذلك بموازاة شنّ نواب ومسؤولي "التيار الوطني" وإعلامه الحزبي حملة مضخمة خلال الساعات الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحاكي رفع "التيار" لواء هذه القضية.
طرابلس الى الواجهة من جديد
وأمس، استعادت ساحة النور مشهد التوتر عقب وصول وفود شعبية من مختلف المناطق في الشمال وبيروت وصيدا والمتن والبقاع والنبطية للتعبير عن "التضامن مع أبناء طرابلس وإستنكارا لأعمال الشغب التي شهدتها عاصمة الشمال منذ أيام"، وسط انتشار للجيش اللبناني والقوى الامنية في ساحة النور ومحيطها.
ورفع المحتجون الأعلام اللبنانية وشعارات متضامنة مع طرابلس، ورددوا هتافات عبر مكبرات الصوت، داعية إلى "متابعة التحرك ضد المنظومة الحاكمة" وان "طرابلس واحدة موحدة ولن تكون رهينة الصراعات بين القوى السياسية" .
لكن فور انتهاء إلقاء عدد من الكلمات، عمد عدد من الشبان الى التوجه الى مدخل سرايا طرابلس، وأضرموا النيران بالاطارات أمام غرفة الحرس، ثم توجهوا الى الباب الخلفي للسرايا، وقاموا برمي الحجارة بكثافة باتجاه العناصر الامنية، كما جرى رمي عبوات المولوتوف الحارقة وردت قوى الامن بدورها بإطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم وإبعادهم عن مدخل السرايا الخلفي.
وسجل انتشار كبير للجيش اللبناني في طرابلس مع تجدّد الاحتجاجات أمام السرايا.