لا يخفى قلق المؤسسات الدولية وتحذيرها الدائم من تفاقم الصعوبات المالية والدولية في لبنان، ففي دراسة قامت بها منظمة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة وشملت القطاع الخاص النظامي في لبنان في العام 2020، دقّت المنظمة جرس الإنذار بإتجاه المسؤولين من خلال وصف واقع أليم للاقتصاد اللبناني وبالتحديد القطاع النظامي الخاص (أي القطاع الذي يستخدم القنوات الرسمية) حيث أشار التقرير إلى تراجع بنسبة 20% بالإقتصاد (إنكماش) بالإضافة إلى تراجع المبيعات في القطاع الخاص إلى النصف، وتسريح 23% من الموظّفين العاملين بدوام كامل في هذا القطاع. وأضاف التقرير أن مبيعات قطاع البناء تراجعت بنسبة 45.2%، الفنادق والمطاعم 41.2%، الصناعة التحويلية 44.7%، النقل 46.6%، وتجارة الجمّلة وتجارة التجزئة 47.8%.
وعن نمو التشغيل بين العامين 2019 و 2020، أشار التقرير إلى أن نمو التشغيل كان سلبيا في القطاعات الآنفة الذكر باستثناء قطاع النقل الذي سجل نموا إيجابيا خجولًا بنسبة 0.92%. هذا الواقع المرير انسحب على ديون الشركات التي قسمها التقرير إلى شركات متضررة وشركات غير متضررة حيث سجل ارتفاع الديون بالدولار الأميركي 80% و62% وهو ما انسحب بدوره على تشغيل النساء في القطاع الخاص حيث تراجع هذا التشغيل بنسبة بين 16% و21%.
وفيما يؤكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين صحة هذا التقرير، يشير في حديث لـ"لبنان 24" الى ان القطاع الخاص تراجع 45 في المئة، لأن الاستيراد الذي كان يبلغ في السنوات الماضية نحو 20 مليار دولار يبلغ اليوم 10 مليار دولار ، في حين أن الكلام عن تسريح 23 في المئة قد لا يكون دقيقا، فنسبة 23 في المئة تساوي نحو 180 الف شخص وهذا رقم كبير جداً، فعدد العاملين الذين تم تسريحهم يتراوح بين 90 الفا الى 100 الف.
عزا التقرير التراجع في الناتج المحلّي الإجمالي إلى التراجع الكبير في أنشطة القطاع الخاص النظامي الذي ضرب أيضا إيرادات الدولة من الضرائب، فسبب تراجع المبيعات يعود بالدرجة الأولى إلى تفشي وباء كورونا حيث انخفضت معدلات التشغيل في القطاعات الرئيسية في القطاع الخاص النظامي وهو ما أدى بدوره إلى تراجع الطلب على اليد العاملة في المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر التي تعمل فيها الفئات الفقيرة المعرضة للمخاطر، فضلا عن ان الشركات غير المصدرة تكبدت خسائر بلغت ضعف ما تكبدته الشركات المصدرة وبالتالي ارتفعت نسبة المخاطر على الديون بالدولار الأميركي نظرا إلى أن مداخيل هذه الشركات هو بالعملة المحلّية.
لقد عرض التقرير اقتراحات خطة للاستجابة على مستوى السياسات منها: الاستثمار في بقاء شركات القطاع الخاص النظامي، ووضع خطة انقاذ وطنية للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم للحد من البطالة الناجمة عن الجائحة، وضع خطط لإدارة الأزمات والطوارئ، لا سيما لفائدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وضع خطط لحماية اليد العاملة للحد من أثر الجائحة وانفجار مرفأ بيروت على التشغيل، تقديم الحوافز للنهوض بأنشطة الإنتاج في الشركات المصدرة لتعزيز نمو عوامل الإنتاج ورفع معدلات التشغيل وضمان تدفق العملات الأجنبية، تنفيذ إصلاحات كبرى في بيئة الأعمال والظروف المواتية للاستثمار في لبنان مع إعطاء الأولوية للإستقرار السياسي ولجم الفساد وزيادة المساءلة، تيسير تنفيذ برامج لرفع مستوى مهارات من خسروا وظائفهم وإكسابهم مهارات جديدة وينبغي أن يكون الشباب والنساء في صميم هذه البرامج.
ما تقدم يؤكد وفق الباحث الإقتصادي جاسم عجاقة لـ"لبنان24" أن "تقرير الاسكوا يضع الأصبع على الجرح، إذ من المعروف اقتصاديا أن القطاع الخاص هو الأساس في الإقتصاد وأن الدورة الإقتصادية المؤلّفة من الشركات والأسر تفرض أن يكون هذان اللاعبان الاقتصاديان بخير. وهذا التقرير يشير إلى سوء الوضع الذي آلت إليه الأمور لدى الشركات ومن خلالها الأسر، حيث فقد العديد من الأشخاص وظائفهم".
وأضاف عجاقة: "الاقتصاد اللبناني ليس بخير ولن يكون بخير إذا لم تكن الشركات والأسر بخير وبالتالي تأتي طروحات الإسكوا لتؤكد أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعتبر باب الخلاص لمحاربة الفقر في لبنان". ويلفت عجاقة النظر إلى" أن استخدام الاسكوا لتعبير القطاع الخاص النظامي يسلط الضوء بشكل غير مباشر على القطاع الخاص غير النظامي أو غير الرسمي الذي لا يستخدم القنوات الرسمية والذي تخطّى حجمه الـ 70% بعد أن كان لا يتجاوز الـ 36% قبل الأزمة في تشرين من العام 2019."
ويختم عجاقة بالقول إن "هذه الأرقام يجب أن تكون قاعدة بيانات للحكومة الجديدة تساعدها في أخذ القرارات السليمة التي تذهب باتجاه استعادة الثقة بالاقتصاد ولكن الأهم القيام بخطوات فعالة في هذا الإتجاه".
وليس بعيدا، بات ضروريا، بحسب المتخصص في قانون الشركات والمصارف حسين يعقوب لـ"لبنان24" التعامل مع التقارير الدولية المعنية بالوضع اللبناني "بجدية من خلال تسريع الخطوات الدستورية للتأليف، وبما يضمن انطلاق حكومة جديدة تأخذ على عاتقها، طمأنة المجتمعين المحلي والدولي إلى توجهاتها في معالجة الأزمة المالية العامة والشروع في تنفيذ الاصلاحات.
وعليه، فإنه في ظل ضعف القدرة الماليّة الحاليّة للبنان، بات ضروريا تطبيق البرامج الاجتماعيّة الرامية إلى حماية اليد العاملة من خلال تمويل دولي واقليمي لتقليل احتمالات زيادة نسبة الفقر البالغة 55 بالمئة بموازاة حسن انفاق الدعم الخارجي ليطال الفئات الأكثر تضررا من الوضع الراهن، مع ضرورة وضع خطة إنقاذ وطنية للمؤسسات المتوسطة والصغيرة للحد من البطالة الناتجة عن الجائحة والاستثمار في إبقاء شركات القطاع الخاص النظامي من خلال تقديم التسهيلات لها في سداد الديون والإعفاء الضريبي وتقديم القروض الميسرة لتفادي الافلاس الجماعي ، فالاقتصاد اللبناني يعاني من هبوط مستمر، تفاقم مع ازدياد حدّة جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، فتقلصت مبيعات القطاع الخاص وتم تسريح نسبة كبيرة من الموظّفين العاملين فيه. من هنا المطلوب أن تنصبَّ الجهود العامة والخاصة على تطوير القطاعات الإنتاجية في الصناعة والزراعة التي تخلق فرص العمل، وتوّظف الشباب وتحرّك الدورة الاقتصادية بكاملها، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات ووضع حد للفساد والهدر الذي يبقى المفتاح الرئيسي لأي حل.
ولذلك، لا بد من الاستفادة من الاشارات الصادرة عن البنك الدولي لجهة تاكيد وقوفه إلى جانب لبنان واستعداده لتمويل بعض المشاريع، لكن ذلك يتطلب تاليف الحكومة العتيدة والسعي للاستجابة إلى المطالب المشروعة التي رفعتها التحركات الشعبية لجهة رفع مستوى الشفافية في القطاع العام ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي والجمركي" .
إذًا تعود الأمور كلها لتصبّ في خانة تشكيل الحكومة التي طال انتظارها، وهذا ما يؤكده شمس الدين الذي يشدد "على أن الحل للازمة الاقتصادية والمالية هو سياسي بالدرجة الاولى".