لا تحوروا ولا تدوروا ولا تفتّشوا عن الظهيرة في رابعة النهار. الحلّ للوضع الحكومي موجود، ولكن السياسيين أو بعضهم، لا يريدون أن ينظروا، وإن نظروا لا يرون.
مرّت أربعة اشهر ونيّف على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، ولكن "تيتي تيتي"، لا حلّول أو حتى بوادر حلّ أو حلحلة من قبل المعطّلين، وقد باتوا معروفين بالإسم، إذ لا يحتاج الأمر إلى الكثير من العناء لمعرفة مَن من الأفرقاء السياسيين يريد ويعمل لمصلحة البلد ووحدته، ومن يعمل لمصلحته الخاصة، خصوصًا أن الشعب اللبناني، بعد التجارب المريرة والكثيرة التي مرّ بها، بات في إستطاعته التمييز، ولو كانت الفرصة متاحة اليوم لإجراء إنتخابات نيابية مبكرة لكانت النتيجة ظهرت بوضوح في صناديق الإقتراع.
فالشعب كفر بهذه الطبقة السياسية الحاكمة، التي لم يأتِ على يديها سوى الخراب والإفلاس والإنهيار، وهو بات قادرًا بعد إنتفاضة ١٧ تشرين على المحاسبة، على رغم كل المحاولات التي قامت بها السلطة لتدجين هذه الإنتفاضة، سواء بالترهيب أو بالترغيب.
من يريد الحلّ للوضع الحكومي المتأزم، ومن بعده للوضع العام في البلاد الغارق في أتون الأزمات المتراكمة والمتشابكة، ما عليه سوى العودة إلى "الكتاب"، على ما كان يقول الرئيس الراحل فؤاد شهاب. وهذه العودة إلى الدستور تفرض نظرة موضوعية ومتجردّة ومنزّهة عن أي مصلحة أخرى.
ما هو أكيد أن لا أحد من المكونات الأساسية في البلد يريد أن ينتزع صلاحيات رئيس الجمهورية، بالتالي لا أحد يستهدف المسيحيين كما يحب البعض تصوير الأمر لضرورات شخصية بحتة، إذ أن حقوق المسيحيين تتأمن من خلال مشاركتهم في مشروع إنقاذ الدولة من الإنهيار، وعدم التقوقع والإنغلاق في شرانق ضيقة المنافس.
ولأن لا أحد يستهدف لا موقع رئاسة الجمهورية ولا موقع المسيحيين في التركيبة الوطنية فإن قراءة الدستور في ما يخصّ موضوع تشكيل الحكومة يجب أن تتمّ بعين مجردّة بعيدًا عن عقدة الصلاحيات، التي وضعت في الأساس لتسهيل العمل الدستوري ولتفعيل العمل التكاملي بين السلطات. فلرئيس الجمهورية دور، إذ أن أي تشكيلة لا تبصر النور ما لم يوقعّ عليها مع الرئيس المكّلف. وكذلك للرئيس المكّلف دور، وهو عليه أن يستشير جميع الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب لضمان ثقته، وبالتالي عليه أن يقترح التشكيلة التي يراها مناسبة لوضعية البلد، ثم يقدّمها إلى رئيس الجمهورية الذي أعطاه الدستور حقّ وصلاحية مناقشة الرئيس المكّلف في كل إسم وارد في هذه التشكيلة، على أن يصار في نتيجة مناقشة أدّق التفاصيل إلى تركيبة ترضي رئيس الجمهورية كما ترضي الرئيس المكّلف، مع التشاور بالطبع مع الكتل النيابية.
هكذا ومن دون مزايدات في غير محلها ومن دون الافتئات على أي صلاحية يكون عندنا حكومة اليوم قبل الغد، وتكون حكومة إختصاصيين بموافقة سياسية، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن تكون الأحزاب السياسية ممثلة في هذه الحكومة في شكل إو في آخر، لكي تنصرف إلى العمل السريع لأن أمامها الكثير من العمل الدؤوب.
هذا هو الحلّ الوحيد، هذا إذا ما إفترضنا جدلًا أن الرئيس ميشال عون يقبل بالرئيس سعد الحريري، وإذا ما كان يستطيع أن يتعايش معه تحت سقف مجلس الوزراء. وفي هذا المجال نريد أن نصدّق الوزير السابق جبران باسيل الذي قال في مؤتمره الصحافي الأخير أن لا مشكلة مع الحريري كرئيس للحكومة على رغم أن تكتل "لبنان القوي" لم يسمّه.