ما ان جرى التداول في إمكانية اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة ،حتى عمت اجواء احتفالية إلى حد ما في أوساط "التيار الوطني الحر"، ما يكشف الاصرار على التخلص من الحريري وترك المجال امام باسيل لكي"يحكم لبنان منفردا".
الاستعصاء الداخلي و تمنع الأطراف المحلية عن السير بالمبادرة الفرنسية بشبه إلى حد بعيد تمرد التلميذ المشاغب داخل الصف ما يستدعي تدخل الناظر والإدارة لضبطه كما تهديده بتحويله إلى مجلس تاديبي وربما طرده من المدرسة، رغم ذلك يجد التلميذ نفسه منتشيا بنجاحه في تعطيل الدروس.
من المؤكد بأن "التيار الوطني الحر "ينظر إلى اعتذار الحريري بكونه نوع من تعويض معنوي لباسيل جراء عزلته دوليا و تطويقه في الداخل، ما يدفع باسيل إلى بذل جهود مضنية لمحاولة فك الطوق الدولي واستيعاب المطالب الأميركية مقابل تحصين وضعيته السياسية في الداخل، لعل تلك الخطوة تحجز له مكانا في المعادلة السياسية على مقربة من نهاية عهد عون و عند إستحقاقات العام 2022 الانتخابية.
تفيد معطيات بأن "خلية قصر بعبدا" حاولت تثبيت تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة كونها تفسح المجال أمام تمديد ولاية رئيس الجمهورية ، الأمر الذي اصطدم بموقف دولي حازم ترافق مع رسائل أميركية مباشرة حملها ديفيد هيل "لا تحلموا بأي تاجيل وعليكم الخضوع وتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها ".
ترافق ذلك مع ظهور استطلاعات رأي قامت بها أطراف متعددة من نافذة احتمال اجراء الانتخابات الفرعية ، لكن هذه الاستطلاعات كشفت عمق أزمة التيار الوطني الحر الشعبية ، ما دفع التيار إلى تكرار نغمته المعهودة بالانكار واتهام جهات خارجية بمحاولة تشويه صورته، علما بأن حدة الصراعات داخل اجنحة التيار تؤشر إلى وضع تنظيمي مأزوم.
انطلاقا من ذلك وجراء عوامل اضافية، تبرز حاجة جبران باسيل الى تسجيل نقاط في المرحلة الراهنة، الأمر الذي دفع مناصري التيار وبعض نوابه الى التسرع بالتعبير عن النشوة من من الأنباء المتداولة عن إمكان اعتذار الحريري.
ليس خافيا ارتكاز باسيل على حجة علاقة الحريري المأزومة مع السعودية لمحاولة ابعاده وكسره سياسيا، بمقابل رهانه على إعادة ترتيب علاقات الأطراف الاقليمية في المنطقة ، ما يفتح المجال لقطف ثمار التسوية المفترضة، فبالتالي لا بأس حاليا ، بنظر باسيل وفريقه، من التفرغ الى تصفية الحسابات الداخلية.
توقف مراقبون عند نقطة جوهرية في هذا السياق ، تتعلق بصعوبة الرهان على أجواء انفتاح اميركي على إيران لا تزال في بداياتها ، الأمر الذي قد يدفع باسيل إلى تكرار خطأ ارتكبه سمير جعجع سنة 1990 عندما افترض بأن هزيمة عون ستجعل منه الرمز المسيحي الأول الأمر الذي أفضى إلى ابعاده كما عون حتى العام 2005، وبالتالي ليس مستبعدا ان تتحقق معادلة " سعد و جبران سوا"، من دون معرفة الاتجاه الذي ستسلكه هذه المعادلة بعد.