هو مركب يغرق، إن لم نقل غرق وعلى دنياه السلام.. أمّا البقاء فللأقوى. لمن يأكل ويشرب ويؤمن لمنزله الدواء، ولهؤلاء الأقوياء أصحاب الأموال العصية على الحرق، وعلى محاصرة البنوك. أمّا اللافت فمشهد متكرر، على الرغم من الازمة الاقتصادية الحادة، المطاعم "مفولة" والسياحة الداخلية ناشطة، سياح من اهل البلد والصورعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وكأننا في "غير عالم"، فمن أين لهم هذا؟
من وحي الوضع الذي لا نُحسد عليه، ومن وحي الشعب العنيد وطائر الفينيق، غريبة تركيبة هذا اللبناني، لا يلين وإن كان يصرخ ولا يجد من يغيثه، "ينق" على الطعام والبنزين والدواء ولكن ليس على رفاهيته، وخير دليل على ذلك، حركة سياحية ناشطة بإتجاه المناطق الداخلية وفي المطاعم والمقاهي، قد لا تجد لك طاولة فارغة، على الرغم من مضاعفة الفاتورة، وخصوصاً في اسعار اطباق اللحمة.
تفيد الارقام انّ السياحة الداخلية باتت تستحوذ على 90 في المائة من إجمالي الحركة السياحية، أمّا نسبة حركة الزوار الاجانب فلا تتخطى الـ10 بالمئة منها. إذا المشهد أصبح على الشكل التالي، وخصوصاً بعد فك إجراءات الاقفال المتبعة خلال ذروة تسجيل الاعداد الكبيرة في اصابات كورونا، ونتيجة لاستحالة السفر في الوقت الراهن للفئات التي إعتادت قصد دول مثل تركيا ومصر للترفيه، ما أنعش حركة السياحة الداخلية، لهؤلاء الذين يريدون الحفاظ على نمط اجتماعي معين من جهة، او الترفيه و"فشة الخلق" من التوتر من جهة اخرى. فمن أي يملك اللبناني القدرة على الانفاق، وهو يعيش ازمة اقصادية خانقة وتدهور في قيمة الرواتب، وهل بات لا يفكر حتى في يومه "الاسود" فيخبىء له "قرشه الابيض"، ويصرف بلا توازن، على الرغم من تآكل قيمة راتبه، إن بقي له راتب؟
المؤكد أنّه لا يمكن إنعاش القطاع السياحي بناءً على حركة السياحة الداخلية، إذا لم يحصل تدفق مالي أجنبي من الخارج الى لبنان، فحتماً المقدرة الداخلية سيتم استنزافها، ولا تأتي بالعملة الصعبة، وغالباً الكلمة الفصل لدولار المغترب.
تبقى تحويلات المغتربين إذاً طوق النجاة، التي تأتي لإنقاذ الآلاف من العائلات في لبنان. وهنا تفيد الارقام الصادرة عن مصرف لبنان أنّ تحويلات المغتربين في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، 4,7 مليارات دولار، وزادت النسبة مع تدفق حوالى 3 مليارات الى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ومن المرجح انّ تكون القيمة ذاتها هذا العام وأكثر مع ضخ مبالغ اضافية من قبل المغتربين الى عائلاتهم وكذلك المغتربين القادمين الى لبنان خلال هذا الصيف.
ويبقى السؤال هل ستبقى هذه الاموال احد ابرز العوامل المساهمة في منع الانفجار الكبير، بعد رفع الدعم، وخصوصاً أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقع اليوم الاربعاء المرسوم الرقم 7797 تاريخ 26 أيار، القاضي بإحالة مشروع قانون معجل الى مجلس النواب يرمي الى اقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد اضافي استثنائي لتمويلها. ما يعني انّ رفع الدعم قد يصبح قريباً، بعدما أعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب أنّ رفع الدعم لن يتم قبل اقرار البطاقة التمويلية. فحينها هل سيبقى للبناني متنفساً داعماً، أمّ أن مركب النجاة سيغرق بمن فيه؟