شكّلت زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى مدينة طرابلس، أمس الجمعة، حدثاً حمل رسائل عديدة في أكثر من اتّجاه، ولا سيما أنّه أتى بعد التوتّرات التي شهدتها شوارع المدينة في الأيام الماضية والتي كادت أن تتطوّر إلى احتكاكات مع الجيش.
حضر العماد عون إلى الفيحاء متسلّحاً بحكمته وحنكته ومناقبيّته وغيرته على طرابلس كما كلّ مناطق لبنان، وهو المؤتمن على المؤسسة التي لا تزال توحّد اللبنانيين تحت ظلّها.
في الشّكل، أكّدت هذه الزيارة أنّ القاعدة في طرابلس هي أنّ المدينة دائماً وأبداً تحت غطاء الدولة ومؤسساتها، ولن تكون يوماً مقراً أو ممرّاً لأيّ تحرّك من شأنه أن يسلخها عن انتمائها الطبيعي للشرعية، وهي أثبتت في أكثر من مناسبة كيف وقفت في وجه "الاستثناءات" للحفاظ على "القاعدة".
في المضمون، وجّه العماد عون رسائل في أكثر من اتّجاه وقد بدا كأنّه يحمل العصا من الوسط، في ظلّ انعكاسات نتائج الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية على جميع اللبنانيين سواء كانوا مواطنين أو عسكريين.
في كلمته التي ألقاها أمام العسكريين، توجّه العماد عون إليهم مشيداً "بانضباطهم ومناقبيتهم وشجاعتهم في نزع فتيل الفتنة من المدينة، وتجنبيها المواجهة"، وهي رسالة دعم معنوية للعسكريين الذين هم في أمسّ الحاجة للحفاظ على معنوياتهم في هذه المرحلة الدقيقة، كما أنهّ أعاد التشديد على أنّ المعاناة جامعة بين الشعب والجيش بقوله إنّ "الأوضاع الاقتصادية ترخي بثقلها على الشعب اللبناني وعلى الجيش أيضاً ونحن نشعر بمعاناة أهلنا لأننا نعاني مثلهم".
في رسالته الثانية، توجّه العماد عون إلى الطرابلسيين ليؤكّد أنّه يشعر معهم وبـ"معاناتهم ووجعهم"، مشيراً إلى أنّ "الجيش يحمي التعبير السلمي عن الرأي"، لكنّه دعاهم في الوقت نفسه إلى "عدم الانجرار خلف بعض من يريد وضعهم بمواجهة الجيش".
وكان قائد الجيش "حازماً حاسماً" بتأكيده أنّه "لن يجرنا أحد على أي مواجهة مع أهلنا"، ولكن "لن نسمح لأيّ كان المس بأمن المدينة ولا بأمن أي منطقة لبنانية أخرى".
أمّا الرسالة الأبرز، فهي التلميح مجدداً إلى "أنّنا لسنا سبب الأزمة الاقتصادية التي تعانون منها ونعاني منها نحن أيضاً"، وهي رسالة مباشرة إلى المسؤولين "غير المسؤولين"، في استكمال لصرخته الشهيرة التي أطلقها قبل أشهر يوم سأل: "يا حضرات المسؤولين لوين رايحين؟".
يمكن القول إنّ "قطوع" طرابلس الأمني مرّ بأقلّ خسائر وأضرار ممكنة، وما حضور قائد الجيش إلى المدينة إلا للتأكيد أنّ الأمور عادت إلى نصابها ولو بشكلٍ "موقّت"، لكنّ قائد الجيش قادر على تدارك الأمور ميدانياً على الصعيد الأمني، إلا أنّ أساس المشكلة يبقى لدى المسؤولين الغائبين عن السمع والذين صمّوا آذانهم عن صرخات الناس وأوجاعهم ولا يزالون يماطلون في إيجاد الحلول للأزمات التي التفّت على رقاب اللبنانيين.