لا يُخفي الرئيس نجيب ميقاتي هواجسه بشأن صعوبة المهمّة التي تنتظره، لكن الغطاء الدولي الذي يحظى به يعتبرُ كفيلاً بتسهيل تلك المهمّة وإعطائها زخماً واسعاً وكبيراً.
خلال الساعات التي تلت تكليفه قبل يومين، طُرحت جملة من التساؤلات عن حجم ذلك الدعم الخارجي الذي مهّد الطريق أمام ميقاتي وجعله يتقدّم للمرة الثالثة باتجاه السراي الحكومي. وفي الأساس، لم يكن هذا الدعم وليد لحظته، بل نتيجة اتصالات عديدة كانت تُجرى باستمرار ،حتى قبل اعتذار الرئيس سعد الحريري، كما أن الرغبة الدولية بطرح ميقاتي كانت سابقة وقديمة لاسيما منذ استقالة حكومة حسان دياب إبان انفجار مرفأ بيروت.
وعملياً، فإن الأميركيين رددوا مراراً اسم ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة وكان ذلك واضحاً على لسان وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. إلا أن ميقاتي أبدى رفضه لذلك مرات كثيرة في السابق نظراً لسببين أساسيين: الأول هو عدم وضوح النظرة الدولية المرتبطة بمساعدة لبنان، والثاني تتعلق بالإفساح المجال أمام الرئيس سعد الحريري بعد تكليفه الأخير لتشكيل حكومة، والالتفاف حوله لتحصينه وضمان قوة الطائفة السنية سياسياً.
لماذا تقدّم ميقاتي؟
رغم المخاض الطويل الذي شهدته البلاد بشأن عملية تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، تبين أن هناك إرادة واضحة و"فعلية" لدى المجتمع الدولي لمساعدة لبنان في الآونة الأخيرة، خصوصاً أن الاجتماعات الفرنسية والأميركية الأخيرة كانت تؤكد ذلك، وهو الأمر الذي يشيرُ إلى تسوية ما باتت تُحاك بشأن لبنان، وكان هناك تأكيدٌ على أن يكون ميقاتي "الوسطي" لاعباً أساسياً فيها.
واليوم، فإن ما يُحكى عن دعم خارجي للبنان لا يرتبط فقط بالمبادرة الفرنسية التي يتبناها ميقاتي، بل إنه قد يشمل أيضاً تسهيلات اقتصادية وعملية ضخ للأموال عبر القطاع المصرفي تساهم في إنعاش الوضع المالي وتضعُ حداً للإنهيار.
وما حصل مؤخراً هو أنّ الاتصالات مع ميقاتي كانت كفيلة بالتأكيد على أن اليد باتجاه لبنان مفتوحة للتعاون شرط تشكيل حكومة إصلاحات. وبشكل أو بآخر، فإنّ المجتمع الدولي يعوّل على ميقاتي لتنفيذ الشروط المطلوبة للنهوض، خصوصاً أن الأميركيين يعتبرون في الرئيس المكلّف رجلاً يستطيع حفظ التوازنات ولعب دور الوسيط الذي يقرّب بين الأطراف السياسية.
ومع هذا، فقد كانت هناك شروط أساسية أيضاً ساهمت في سطوع اسم ميقاتي لدى الأطراف السياسية، كما أنها مهدت الطريق أمامه لتشكيل حكومة بسرعة.
ويتعلق الشرط الأساسي بأن ميقاتي ليس على "صراعٍ مباشر" مع رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، كما أن خطوط تواصله مفتوحة مع النائب جبران باسيل، وهو الأمر الذي كان يفتقد إليه الحريري. وفعلياً، فإن هذا الأمر يساهم إلى حد كبير في إيجاد أرضية مشتركة للحل تساهم في تسريع التشكيل.
أما الشرط الثاني فيرتبط بعدم معارضة "حزب الله" لخيار ميقاتي، وهو الأمر الذي يكشف عن ضوء أخضر إيراني في مكان ما لتسهيل ولادة الحكومة من قبل الحزب، علماً أن أوساط الأخير تؤكد مراراً على الدور التسهيلي الذي تم تأديته خلال تكليف الحريري. وبشكل أو بآخر، فإن التسهيل الإيراني قد يكون مرتبطاً بالتقارب مع الأميركيين في فيينا، علماً أن المفاوضات بين الطرفين سوف تستأنف بعد الخامس من آب المقبل عقب تعيين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في منصبه رسمياً.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك استعداد خارجي لمساعدة لبنان خصوصاً في قطاع الكهرباء، الأمر الذي يساهم في تذليل ملف كبير يندرج في إطار الإصلاحات. أما الأمر الذي ساهم في تقدم ميقاتي هو وجود خطة اقتصادية واضحة لديه قائمة على بنود عديدة، ما أعطى للمجتمع الدولي نظرة واضحة لكيفية إصلاح الوضع في لبنان، وساهم في اعتبار ميقاتي "رجل الثقة" بالنسبة للدول.
ما العقبات التي يواجهها ميقاتي؟
ووسط كل هذا المشهد، من الممكن أن يواجه ميقاتي سلسلة من العقبات خلال عملية التشكيل، أساسها تقسيم الوزارات بين الأطراف السياسية خصوصاً الحقائب السيادية، في حين أن مشكلة الثلث المعطل الذي يطالب به رئيس الجمهورية لم تلقَ أي حلول بعد.
وفي ما خصّ تقسيم الوزارات، فقد أفادت المعطيات أن وزارة الداخلية ستبقى من حصة الطائفة السنية، خصوصاً أن هناك تخوفاً أكبر لدى هذا المكون من استهدافه أكثر.
إضافة إلى ذلك، فإنّ المطلب الأساس لعون وفريقه هو تبني الحكومة للتدقيق الجنائي، وهو الأمر الذي قد يشكل ثغرة أساسية في عملية التشكيل. وهنا، فإن عدم ادارج هذا الملف ضمن الحكومة سيؤدي بفريق رئيس الجمهورية نحو التصعيد ضدها أكثر في حال تشكيلها، وفي حال فشلها بتأدية مهماتها، فإن ذلك الفريق السياسي سيؤكد أنه غير مسؤول عن ذلك.