قالها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بعد لقائه العاشر مع رئيس الجمهورية ميشال عون. "العبرة في النهاية". لم يخفض "أسهم" التفاؤل التي ارتفعت بوتيرة ملحوظة في الأيام الأخيرة، لكنّه في الوقت نفسه، لم يرفع "سقف" التوقّعات إلى حدّها الأقصى، بعدما ذهب البعض في "تكهّناته" لحدّ ضرب "مواعيد" للولادة الحكوميّة.
لعلّ الرئيس ميقاتي، وانطلاقًا من التجربة والخبرة، أراد أن يكون "واقعيًا ومنطقيًا" في المقاربة، فالأمور إيجابيّة حتّى الآن، ولو بمنظور نسبيّ، واحتمالات التأليف لا تزال تتقدّم على خيار الاعتذار، رغم أنّ المهلة التي يضعها لنفسه غير مفتوحة كما يكرّر دومًا، إلا أنّ "الحسم" لم يحصل بعد، وثمّة بعض العقد التي لا تزال تحتاج للتشاور لتجاوزها.
لذلك، لم يحسم الرئيس المكلّف "الولادة" الميمونة والمُنتظَرة للحكومة هذا الأسبوع، مع تركه الباب مفتوحًا أمام هذا الخيار، توازيًا مع تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون عن "قرب الفرج"، تصريحات يرى كثيرون أنّها منبثقة من الأزمات والمصائب التي لم تعد تحتمل المماطلة والمناورة، ولكنّها تبقى بحاجة إلى "ترجمة" لا تصطدم بأيّ شروط أو عوائق.
التفاؤل يغلب
صحيح أنّ البعض ذهب في تحليل كلام الرئيس ميقاتي بعد لقائه العاشر مع رئيس الجمهورية، من منظور "تشاؤمي"، حيث اعتبر أنّه دخل إلى قصر بعبدا "متفائلاً"، وخرج من لقاء النصف ساعة "متشائمًا"، أو بالحدّ الأدنى أقلّ حماسة، ما فُسّر أنّ الحكومة لن تبصر النور منتصف الأسبوع كما كان مرجَّحًا.
لكنّ الأصحّ من هذا الاستنتاج هو أنّ الرئيس ميقاتي، وإن رفض "الإفراط" في الرهانات، كما يفعل البعض، لم يقل أبدًا إنّ الأمور باتت "سلبيّة"، بل إنّ الجو العام لتصريحه أوحى بأنّ "الإيجابيّة" لا تزال هي الغالبة، لكنّ "الحذر" يبقى واجبًا، بانتظار "نضوج" المعطيات، أو ربما اختمار "الطبخة" الحكوميّة، إن جاز التعبير، وذلك من وحي المقولة التي يردّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري دومًا، ومفادها "لا تقول فول تيصير بالمكيول".
وبالتالي، فإنّ "فحوى" تصريح الرئيس ميقاتي يدلّ على أنّ الأمور لا تزال على إيجابيّتها، رغم "السباق" الذي لا يزال قائمًا مع السلبيّة، بدليل أنه لم يُزِل "الاعتذار" من قائمة خياراته، ولو أنّه ليس "الهدف" في الوقت الحاليّ، إلا أنّ المطلوب أيضًا عدم "المبالغة" في التفاؤل، تفاديًا لأيّ "صدمة" جديدة ستنعكس سلبًا على الواقع العام، الذي يبحث عن "متنفَّسٍ" في ظلّ الكوارث المتلاحقة التي تحيط به من كلّ حدب وصوب.
ما هي العقد الباقية؟
لعلّ اللافت في تصريح الرئيس ميقاتي أنّه رفض الدخول في تفاصيل "العُقَد" التي لا تزال تحول دون ولادة الحكومة، تاركًا البتّ بها للاتصالات الجارية خلف الكواليس، سواء بينه وبين رئيس الجمهورية، أو بينه وبين سائر الأفرقاء السياسيّين المعنيّين بعملية التأليف، منعًا ربما لتضخيمها، أو التسلّل إلى "شياطينها"، مبشّرًا في الوقت نفسه بالدخول في مرحلة الأسماء.
لكنّ التسريبات الصحافية التي توالت في الساعات الماضية تحدّثت عن "فحوى" بعض العقد، التي قد تكون "تفصيليّة" في المشهد، بعد الاتفاق على الخطوط العريضة للتشكيلة، بينها ما هو مرتبط ببعض الأسماء التي يرفضها هذا الفريق أو ذاك، وما يُحكى عن صيغة تفرض "التوافق" عليها، وبينها ما هو مرتبط بتوزيع بعض الحقائب، سواء الخدماتية التي يصبو إليها الجميع في موسم الانتخابات، أو تلك التي باتت "منبوذة" من الجميع، كحقيبة الطاقة في موسم رفع الدعم.
وبانتظار "حلحلة" هذه العقد، يبقى الأكيد أنّ الرئيس ميقاتي لا يزال على "الثوابت" التي أعلنها منذ اليوم الأول، والتي دفعت الأحداث الأخيرة باتجاه "تكريسها"، بعدما أصبح تأليف الحكومة أكثر إلحاحًا حتى من ذي قبل. فالرجل وافق على المهمّة لتشكيل الحكومة، وليس للاعتذار، لكنّه لن يرتضي أن يكون "عنصر تأزيم" إضافيّ، ومتى شعر أنّ إرادة التأليف غير متوافرة لدى الشركاء، فهو لن يتردّد في الانسحاب التكتيكيّ.
لا يزال "التفاؤل" غالبًا إذًا. يقول البعض إنّ الأمر ليس بجديد، فالرئيس ميقاتي حرص على "ضخّ" موجات التفاؤل منذ اليوم الأول، وعلى امتداد لقاءاته العشرة، حتى حين حُكي عن "سلبيّة". لكنّ "المهلة" تضيق وفق ما يقول البعض الآخر، مهلة لا ينصّ عليها الدستور، لكنّ الرئيس المكلف يتمسّك بها أخلاقيًا، خصوصًا بعد أحداث الأسبوع الأخير المفصليّة، من "قنبلة" رفع الدعم وتداعياتها الاجتماعية، إلى تفجير عكار وانعكاساته الإنسانية.