يومًا بعد يوم تزداد معاناة العمّال والموظّفين في لبنان،في ظل الغلاء الفاحش الذي يضرب كلّ
السلع الأساسية،لاسيما المواد الغذائية والتي ارتفعت بنسبة 300% ،عدا عن جنون اسعار المحروقات، والتي ادت الى زيادة في اسعار الموارد الاساسية اليومية، التي تهم المواطن، كارتفاع في سعر الطحين، عدا عن ارتفاع فواتير الكهرباء والمولدات، والتي باتت تهدد اللبناني في حياته اليومية.
ومع تفلت في سعر صرف الدولار الذي لامس مستوى19 الف ليرة للدولار الواحد (بعد أن كان يساوي 1500 ليرة لبنانية) ، انهارت قدرات هؤلاء الشرائية ووصلت إلى حد لا يؤمن لهم قوت يومهم.
اذاً ماذا يبقّى من الراتب الشهري كي يُغطّي فواتير الكهرباء والمياه والمواد الغذائية والاستهلاكية؟ماذا عن المدارس والجامعات والسكن والملبس والاستشفاء والمواصلات وفواتير الهاتف والانترنت وغير ذلك ؟ فالقدرة الشرائية تآكلت بنسبة 95%، في بلد بات فيه الحد الأدنى للأجور يبلغ 35 دولارًا. وعليه، بات تأمين "لقمة العيش" مهمّة شاقة وصعبة للكثير من اللبنانين.
امام هذا الواقع المرير، بدأت تعلو الاصوات المطالبة بضرورة رفع الحد للاجور وتصحيها، الأمر الذي يراه أهل الاختصاص ضروريًا لكنّه مستحيل في الوقت الحالي. ومن جهة اخرى لا يمكن بقاء الأجور على الوضع التي هي عليه، بعدما فقدت أكثر من 95 % من قيمتها،في المقابل يبدو ان هناك صعوبة في تصحيحها في القطاعين العام والخاص، وسط قلّة الموارد لتمويل هذه "الزيادة"، ووسط عجز الدولة برمتها.اذا هل هناك حل ام ان عملية رفع الحد الادنى للاجور باتت اضغاث احلام؟
وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني، اعلن مرارا أن الدولة غير قادرة على تغطية هذا الأمر.
والسؤال الذي يُطرح هنا ما الحل هل سيُترك المواطن لمصيره الاسود ؟ وهل نحن امام انفجار اجتماعي على كافة الاصعدة؟
اسئلة كثيرة حملناها للخبير الاقتصادي باتريك مارديني، للوقوف على رأيه حول موضوع الساعة وهو رفع الحد الادني للاجور.
وفي هذا السياق قال مارديني ل "لبنان24"، انه لا يدري اذا كان سيتم رفع الحد الادنى للاجور، لأن هذا الامر مرتبط بالمصالح السياسية.
واضاف،كلنا نذكر في الانتخابات السابقة،كيف ان سلسلة الرتب والرواتب، اقرت قبل الانتخابات مباشرة،من اجل تحصيل مكاسب شعبية،والانتخابات الان على الابواب ومن الممكن ان يسعوا لرفع الحد الادنى للاجور.
واكد،انه لا يجب رفع الحد الادنى للاجور،بل الغاؤه،والعديد من الدول لا تطبق سياسة الحد الادنى للاجور لانها ببساطة تضر باقتصاد البلد."فالحد الادنى" يولد البطالة.
واردف مارديني،ان زيادة الحد الادنى للاجور، لا تؤدي الى زيادة الدخل للفرد، بل الى تسريح العمال من وظائفهم والى اغلاق الشركات.
فزيادة الاجور في الوقت الحالي بحسب مارديني، هي سابقة خطيرة ويجب الرجوع عنها.
واشار مارديني الى انه يجب السماح لحرية التعاقد مثل العديد من البلدان التي اعتمدت هذه السياسة،ففي القطاع العام زيادة الحد الادنى للاجور تسبب مشكلة اكبر، لان هذا القطاع لديه تخمة في الموظفين،ما يعني ان هناك انتاجية منخفضة،واذا اردنا زيادة الاجور من دون تحسين الانتاجية فسيؤدي ذلك الى تخمة. لا يجب زيادة الاجور في القطاع العام قبل التطهير،والترشيق.
اما بالنسبة للقطاع الخاص فهو غير قادر على تمويل اي زيادة على الاجور،وذلك بسبب انهيار هذا القطاع،فمعظم الشركات بات على وشك اقفال مؤسساته، بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية.واذا طلبنا منهم زيادة على الاجور للعمال فسيقفلون مصالحهم نهائيا، وبالتالي نكون امام مزيد من الانهيار ومزيد من البطالة.
واعلن مارديني، ان ما يُحدّد الرواتب والأجور هو الانتاجية، وعلى أساس انتاجية الموظف يعطى راتبه. فمن تكون انتاجيته أفضل من غيره يفترض أن يحصل على راتب أكبر، وهكذا يعمل عادةً القطاع الخاص ويجب ان يعمل القطاع العام بالطريقة ذاتها وان نعرّف الموظف المنتج بانه الموظف الذي يؤمن المدخول "يلي بيجيب مصاري للدولة".وللأسف الشديد ان الانتاجية في القطاع العام متدنية جداً، والدولة اللبنانية ليس لديها القدرة على تمويل نفقاتها الحالية فالنفقات اليوم أعلى من الايرادات والفرق بينهما هو عجز الموازنة العامة، الذي هو موجود ويجري تمويله عن طريق طباعة الليرة، وبالتالي فاي زيادة في اجور القطاع العام سوف تؤدي حكماً الى زيادة العجز في الموازنة العامة، وبالتالي زيادة الحاجة الى تمويل أكبر عن طريق طباعة الليرة، وكلما طبعنا الليرة، كلما تضاعفت الاسعار وارتفع سعر صرف الدولار وبالتالي كل طباعة لليرة هو حقيقةً زيادة للطلب على الدولار وزيادة سعر صرفه، وعندها سترتفع كل الاسعار. اي تصحيح للأجور سيؤدي الى تضخم هائل وزيادة كبيرة في الأسعار لكل السلع في البلد.
ولفت الى أن كلفة زيادة الأجور ستكون سيئة على فقراء لبنان”.وأشار الى أنه “لا يتصوّر أن القطاع الرسمي يترهّل لأن الدولة أوقفت التوظيف بل هناك فائض كبير. فمثلاً: عدد الأساتذة في هذا القطاع هو ضُعف حاجة المدارس مقارنة بالقطاع الخاص ، وبالرغم من ذلك فان مستوى المدارس في القطاع الرسمي أقلّ من مستوى المدارس في القطاع الخاص ما يدفعنا الى الاستنتاج بان انتاجية وكفاءة المدارس غير مرتبطتين بحجم التوظيف. والمشكلة لا تكمن في نقص التوظيف في القطاع العام بل في فائض التوظيف فيه والبطالة المقنعة في هذا القطاع. فالبعض لا يذهب الى العمل الجاد والمنتج بل لتمرير ساعات العمل وتسجيل الحضور وان كان هناك ترهل فذلك يعود الى ان جزءاً كبيراً من موظفي القطاع العام لا يعمل وهذا سبب من أسباب الازمة، بمعنى أن الدولة تموّل وتدفع رواتب موظفين غير منتجين عبر طباعة الليرة وهذا ما"يغذّي التضخم".
وعن الخطوات الواجب اتّخاذها لاعادة تأهيل القطاع العام فنّد مارديني قائلاً: “يجب تطهير القطاع العام عبر اعادة النظر في الوظائف. اليوم هناك شغور ولكن هناك فائض ويجب نقل الفائض الى مكان النقص، وبعد ان نقوم بذلك سنكتشف انه بين أيادينا فائض. وصراحة برأيي يجب تسريح العمال غير المنتجين، لان الأموال غير متوفرة لتسديد الرواتب، كما يجب اعادة تنشيط أو ترشيق القطاع العام وهذا يبدأ بكل الاشخاص، غير الموظفين في الملاك اي المتعاقدين والأجراء والمتعاملين، لأنهم يضحّون ويعملون بأبخس الأثمان. فمثلاً المتعاقدون في المدارس يعملون كل السنة وفي آخر السنة لا ينالون شيئاً ولكنهم يواظبون على العمل في العام الدراسي، على أمل ان يجري تثبيتهم يوماً ما. لذلك يجب مصارحتهم والقول لهم ان الدولة غير قادرة على تثبيتهم وهذا أفضل لهم وللدولة فلماذا نظلمهم؟"
وعن الخطوات التي يمكن اتخاذها بغية الخروج من المأزق الاقتصادي، ختم مارديني قائلاً: “يجب اطلاق النمو والانتاج ووقف التضخّم لأن هاتين الخطوتين، تشكلان نقطة الأساس،فالبلد معطل، والسبب يعود الى ان الدولة، تتبع سياسة دعم المحروقات فهذا الدعم (قاطع المحروقات من البلد)والحل، هو برفع الدعم عن المحرقات، ما يؤدي الى عودة البلد الى الانتاج،عندئذ سوف تعود الحياة الى المؤسسات. وعندها فقط سيكون من مصلحة هذة الشركات او المؤسسات زيادة الاجور من اجل المحافظة على الموظفين.
ولفت مارديني،عندما يعود هذا القطاع الى النمو والانتاج سوف يحسن الجباية الضريبية للدولة.وهكذا يصبح للدولة مداخيل تسمح بتحسين "الاجور".
اذاً الطريقة الوحيدة لتحسين الاجور هي عودة لبنان، الى العمل والانتاج وهذا الامر لن يتم الا بعد رفع الدعم.