سقطت الاصطفافات في لبنان مع سقوط 8 و14 آذار. فليس هناك من محور موحد حيال مجمل القضايا أو الاستحقاقات. والمجلس النيابي الجديد يضم تكتلات متضاربة تتفق في ملفات وتختلف في أخرى. وبالتالي من الصعب إعادة إحياء المحاور المتهالكة سياسيا. وما يسمى بوحدة المعارضة مع القوى التغييرية في جلسة تطيير الموازنة، ليس الا اصطفافا عابرا لا يعبر عن مآل الامور في الاستحقاقات المرتقبة. الكل مقتنع انه لن يستطيع ان يفرض رئيسا من دون توافق الجميع.
لم يبدأ بعد العد العكسي لانتخاب رئيس للجمهورية رغم بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في اول أيلول الجاري، وبقاء 43 يوما على انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون. مؤشرات التقاطع حول المرشحين لم تتظهر بعد. والمشاورات الجدية لم تبدأ بعد. الكل سلم بالفراغ. ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس قبل أن يلمس شيئا من التوافق لا الإجماع، كما قال ردا على النائب بولا يعقوبيان خلال دراسة دراسة واقرار الموازنة يوم الخميس الماضي.
إذن، لا مرشح محور ضد مرشح لمحور آخر. وهناك من يقول إن خيار الرئيس التصادمي ليس واردا في حسابات القوى كافة، مهما علت اصواتها على المنابر وصعدت من مواقفها. فالقوات حتى الساعة لا تزال بعيدة جدا عن التفاهم مع القوى التغييرية على مرشح لرئاسة الجمهورية، وهي تدرك أنه لن يكون باستطاعتها طرح أي مرشح مستفز. فرغم أنها في جبهة المعارضة إلا أنها لا تلتقي مع حزب الكتائب ولا تلتقي مع النواب التغييريين وتختلف مع الحزب الاشتراكي في الملف الرئاسي. والشخصيات النيابية السنية ليست كلها في المقلب الداعم للقوات، هذا فضلا عن أن رئيس القوات سمير جعجع يعلم ان المرحلة اليوم هي مرحلة الرئيس غير الصدامي.
ويبدو أن حزب الله سيفتح أبواب حارة حريك في الايام المقبلة أمام من يرغب من المرشحين لزيارته.فهناك اتصالات أجراها مرشحون بمسؤولين في الحزب بغية البحث في الاستحقاق الرئاسي والبرنامج المطلوب للمرحلة المقبلة، وقد لاقوا استعدادا من الحزب للجلوس والنقاش. وهذا يؤشر إلى أن حزب الله الذي لم يعلن دعمه بشكل رسمي حتى الساعة لأي مرشح من 8 آذار ، يتريث ولن يقدم على خطوة كهذه إذا لم يتلمس شبه تفاهم محلي حوله، فهو ليس في وارد الدخول في صراعات سياسية. والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان واضحا أمس عندما أكد" أننا نؤيد الدعوات إلى الإتفاق حول الرئيس، وأن يكون هناك لقاءات للحوار بعيدا عن التحدي وعن الفيتوات التي تطلق مسبقا، وفي نهاية المطاف يجب العمل لأن يأتي رئيس يحظى بأوسع قاعدة ممكنة سياسية ونيابية وشعبية ليتمكن من القيام بدوره القانوني والدستوري".
لا يمكن فصل الموقف الاقليمي عن الموقف الداخلي من الاستحقاقات اللبنانية، فما دار في اللقاء السعودي - الفرنسي الذي عقد في باريس حول لبنان وترأسه مستشار الرئاسة الفرنسية السفير باتريك دوريل وحضره عن الجانب السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري اكد الاهتمام الغربي والعربي بملف رئاسة الجمهورية. وبحسب المعلومات فقد استهل دوريل كلامه حول الوضع السياسي في لبنان بالتشديد على ضرورة انتخاب رئيس بأي ثمن في حين أن المسؤولين السعوديين توقفوا عند مصطلح "باي ثمن"، مشيرين إلى أن الرياض تريد انتخاب رئيس مقبول من الجميع، غير خاضع لتأثير جهة سياسية دون أخرى. وفيما تطرق المجتمعون إلى معايير التي يجب أن تحكم اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية، جرى إسقاط بعض الأسماء المطروحة من بينها قائد الجيش العماد جوزاف عون، فاعتبر المجتمعون أنه يلبي المعايير، لكن المسؤولين السعوديين سارعوا إلى القول إن حزب الله لا يقبل به، لينتهي الاجتماع بالاتفاق على لقاء جديد في تشرين الاول المقبل حيث يتوقع أن تتبلور الأجواء أكثر. مع الاشارة في هذا السياق إلى ان حزب الله، بحسب مصادره، يعتبر انه من المبكر أن يعطي موقفه من قائد الجيش او سواه، لأن الرئاسة، بالنسبة إليه، تخضع لظروف متحركة ومعطيات قد لا تكون مستجدة في الوقت الراهن، ويتطلع الى التوافق بين غالبية القوى السياسية على الرئيس المقبل، ويركز على اهمية التفاهمات في الوقت الراهن في ملف تأليف الحكومة واقرار الموازنة وغيرها من المشاريع المالية والاقتصادية) لتجنيب البلد الفوضى.