جاء ظهور الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جامعة الدول العربية في 19 أيار كتتويج لجهود استمرت شهوراً لإعادة دمج الأسد وسوريا في السياسة والاقتصاد في الشرق الأوسط.
وبحسب مجلة "Foreign Policy" الأميركية، "لم تحظ هذه العملية بتشجيع الولايات المتحدة التي استمرت في معارضة الأسد. والأكيد أن هذه العملية لم تكن السبب وراء تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، عوضاً عن ذلك، كانت نتيجة تحول في الأولويات بين بلدان المنطقة. وعلى الرغم من أن بعض الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة قطر، تعارض إصلاح العلاقات مع حكومة الأسد، فإن آخرين، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باتوا أكثر واقعية بعد سنوات من تمويل المجموعات المناهضة للأسد. وقال جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics: "في الوقت الذي تؤكد فيه دول عربية مثل الإمارات والسعودية استقلالها عن واشنطن وتنويع شراكاتها على الساحة الدولية، تزداد أهمية علاقات أبو ظبي والرياض مع روسيا بالنسبة للقيادة الإماراتية والسعودية".
وأضاف: "تطبيع العلاقات مع سوريا يعمل على تقريب أعضاء مجلس التعاون الخليجي من موسكو، لكن بالطبع هذا ليس دافعهم الوحيد لتدفئة العلاقات مع دمشق"."
وتابعت المجلة، "بدأت عزلة الأسد مع اندلاع الربيع العربي، إلا أن عزله أصبح أكثر وضوحًا في عام 2019، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات قيصر، التي استهدفت الأفراد والكيانات الذين يتعاملون مع الحكومة السورية، بما في ذلك في صناعات النفط والغاز الطبيعي. لقد أدى تأثير العقوبات والحرب التي استمرت عقداً من الزمن بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الإقليمية إلى تدمير الاقتصاد السوري، ما أفسح المجال أمام تجارة الكبتاغون غير المشروعة في سوريا وعزز نفوذ إيران وروسيا".
وأضافت المجلة، "على الرغم من صعوبة تحديد التفاصيل الدقيقة حول إنتاج وتجارة الكبتاغون، فمن المحتمل أنها تُدخل المليارات للحكومة السورية. وقال كرم الشعار، المحلل المستقل في السياسة والاقتصاد السوريين، "من الصعب تقدير الرقم الفعلي، لكن على ما أعتقد أن الحكومة السورية تُدخل ما لا يقل عن مليار دولار، في حين أن القيمة السوقية لتلك الصناعة يمكن أن تزيد عن 10 مليارات دولار". ويشق الكبتاغون طريقه في كافة أنحاء المنطقة، من الأردن إلى لبنان والسعودية، إلا أن الأخيرة سجلت أكبر عدد من المضبوطات بين عامي 2015 و2019. وعلى الرغم من أن الدول العربية قد تأمل في السيطرة على تجارة الكبتاغون غير المشروعة من خلال المفاوضات مع دمشق والاستثمار في اقتصاد سوري مشروع، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن حكومة الأسد مستعدة للتخلي عما أصبح تجارة مربحة، إذا كان التطبيع على نطاق واسع يلوح في الأفق".
وبحسب المجلة، "قد تحاول دول الخليج الثرية والدول التي تعتمد عليها أيضًا تخفيف النفوذ الإيراني على سوريا والمنطقة، من خلال إصلاح العلاقات مع دمشق والعمل مع طهران. ولكن، كما قال آرون لوند، زميل في Century International ومحلل الشرق الأوسط في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، هذه ليست المرة الأولى التي يقومون فيها بمثل هذه المحاولات. لقد أقامت إيران وسوريا علاقات صداقة غريبة على مدى عقود، ويتشارك البلدان منذ فترة طويلة في أيديولوجيات متشابهة في ما يتعلق بإسرائيل والولايات المتحدة ونفوذ كلا البلدين في المنطقة بشكل عام. وبالطبع، أظهرت الحرب الأهلية السورية قوة تلك العلاقة وأهميتها لبقاء حكومة الأسد".
وتابعت المجلة، "إن الترحيب بعودة الأسد إلى الحضن العربي يمثل نهاية الربيع العربي. لكن لا تزال هناك دول في المنطقة لم ترحب بعد بالأسد، ولدى كل من قطر ومصر، على وجه الخصوص، أسبابهما المحددة. قطر هي أهم حجر عثرة أمام إعادة اندماج سوريا الإقليمي. وكما أشار كافييرو في مقال نشره مؤخرًا، يبدو أن قطر حريصة بالتأكيد على الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب الأوسع، وبالتالي الحفاظ على موقفها تجاه سوريا. ومع ذلك، فإن الضغط الذي تمارسه تركيا وإيران قد يدفع قطر في النهاية إلى قبول المصالحة مع سوريا".
وأضافت المجلة، "أما بالنسبة لمصر، "لا يبدو أن السيسي لديه أهداف محددة بوضوح في السعي لتطبيع العلاقات مع الأسد، لكن القاهرة كانت غير مرتاحة لبعض الوقت بفكرة نبذ نظام إقليمي بسبب الحكم الاستبدادي وارتكاب أعمال وحشية"، وذلك بحسب ما نقلت المجلة عن دارين خليفة، كبيرة المحللين في الشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية. وأضافت: "ومع ذلك، كان السيسي حريصًا على عدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب تجاه الأسد". وقد تحاول مصر أيضًا الحصول على تمويل من السعوديين والإماراتيين في مقابل تجديد العلاقات مع الأسد. وتجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من أن المسؤولين المصريين اجتمعوا مع نظرائهم السوريين، إلا أنه لم يكن هناك إعلان رسمي عن نتيجة تلك الاجتماعات".
وبحسب المجلة، "أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضوح أنهم غير مهتمين بعلاقة مع دمشق ولن يرفعوا العقوبات، لكنهم لن يمنعوا الدول الأخرى من تجديد العلاقات أيضًا، كما أفاد دبلوماسيون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من عدم وجود خطة حتى الآن لمتابعة اتفاقية إنهاء الحرب. ومع تبني الدول العربية نهجًا عمليًا، فإن فرصة المساءلة والسلام الدائم للشعب السوري لا تقل عن كونها غير موجودة. ففي حين أن بعض السوريين يأملون في تحرك - أي تحرك - للمساعدة في استقرار الاقتصاد المنهار وإيجاد حل سلمي للحرب، يرى الكثيرون التطبيع كخيانة من غير المرجح أن تسفر عن نتائج".