مع اقتراب موعد انتخابات 2024 تنشط حملة المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، مساعيها لجذب أصوات الناخبين الأميركيين من أصول عربية، من خلال عقد لقاءات مع جاليات عربية في عدة ولايات.
وتنقسم أصوات الناخبين الأميركيين العرب بين التأييد لجيل ستاين مرشحة حزب الخضر باعتبارها خيارا يهدف إلى معاقبة الديمقراطيين والجمهوريين بسبب سياساتهم الداعمة لإسرائيل، أو تأييد المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمعاقبة الديمقراطيين، أو الاستمرار بتأييد المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس.
وانخفض التأييد للديمقراطيين بشكل حاد منذ أن شنت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة قبل أكثر من عام.
واستضافت حملة الرئيس السابق، دونالد ترامب مؤتمرا صحفيا لأعضاء من الجالية العربية الخميس في نيويورك، حيث أعلن قادة، بينهم ممثلون للجالية اليمينة التأييد للمرشح الجمهوري بحضور منسق العلاقات العربية للحملة، مسعد بولس.
"موازنة للمنافع والمصالح"
وقال عبدالصمد الفقيه، الأمين العام للجالية اليمنية في نيويورك، أحد المشاركين في المؤتمر الصحفي الخميس، في تصريحات لموقع "الحرة" إن "العديد من الجاليات العربية في الولايات المتحدة أصبحت داعمة للمرشح الجمهوري ترامب، إذ يجد بعضها تلاقيا في المصالح والسياسيات".
ويشرح أن هذه "ليست المرة الأولى التي نشهد فيها دعما واضحا من الجاليات العربية بهذه الكثافة، إذ شهدنا ذلك في انتخابات عام 2000، إذ دعموا حينها المرشح جورج بوش الابن عندما تنافس ضد الديمقراطي آل غور".
وتابع الفقيه أنه بعد انتخابات عام 2000، ازداد توجه الناخبين العرب الأميركيين لدعم مرشحي الحزب الديمقراطي على اعتبار أنهم داعمون للأقليات، ولكن في هذه الانتخابات رغم وجود "انقسام، هناك رغبة في الابتعاد عن المرشحة الديمقراطية بسبب سياساتهم، وللبحث عن بديل قد يكون قادرا على تحقيق السلام في المنطقة العربية".
ويسعى المرشح الجمهوري ترامب إلى استمالة الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان.
وقال ترامب في تجمع جماهيري خارج ديترويت إنه التقى بمجموعة من الأئمة المحليين، مؤكدا أنه يستحق دعم الناخبين المسلمين لأنه سينهي الصراعات ويحقق السلام في الشرق الأوسط.
وقال ترامب في ضاحية نوفي في ديترويت "هذا كل ما يريدونه". كما تعهد لعمال السيارات بأنه سيعمل على علاج التدهور الاقتصادي في منطقة ديترويت وعلى مستوى البلاد.
ما الذي فعله الحزب الديمقراطي؟
بقول عمر الكردي، ناشط ورئيس جمعية عرب كليفلاند إن ما تغير في موقف جاليات عربية وإسلامية "كان بسبب تجاهل الحزب الديمقراطي لمطالب هذه الجاليات، وتجاهلهم خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل".
وزاد الكردي في تصريح لموقع "الحرة" أن سياسات الإدارة الديمقراطية الحالية دفعت بالناخبين العرب نحو تأييد "مرشحة الحزب الثالث، جيل ستاين، فيما استطاعت حملة ترامب جذب التأييد من بعض ممثلي الجاليات".
وقال الكردي "على سبيل المثال، في الحملات الديمقراطية لم نر مشاركة لمتحدثين من الجاليات العربية والإسلامية، ولكن خلال الأسابيع الماضية نشطت حملة ترامب في إشراك متحدثين من هذه الجاليات".
وعبر أفراد من الجالية العربية في ميشيغان عن معارضتهم بكل وضوح لإدارة بايدن وهاريس خلال فعاليات للجالية، فيما أعرب بعضهم عن تأييده لترامب أو جيل ستاين.
وتتمتع ميشيغان بأكبر عدد من الأميركيين العرب بين الولايات الأميركية، وأثبتت أهميتها بوصفها ولاية متأرجحة في فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية عام 2020.
وفاز الرئيس الأميركي، جو بايدن في هذه الولاية خلال الانتخابات السابقة بدعم من أصوات العرب، لكن يبدو أن السباق أصعب بكثير على نائبته والمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس.
وأشار آخر استطلاع رأي أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير"، ونشره الجمعة، قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات، إلى أن 42 في المئة من الناخبين المسلمين يفضلون ستاين، بينما يدعم 41 في المئة نائبة الرئيس هاريس، بينما يدعم عشرة في المئة الرئيس السابق، وواحد بالمئة يدعمون المرشح تشيس أوليفر من الحزب الليبرالي، في حين أن خمسة بالمئة فقط من المشاركين لا يخططون للتصويت.
وكان استطلاع أجرته المنظمة في أواخر أغسطس الماضي، أظهر أن 29.4 في المئة من المسلمين يدعمون هاريس بينما حصلت ستاين على نسبة قريبة للغاية هي 29.1 في المئة.
ويوضح الفقيه أن الدعم للمرشح الجمهوري، ليس بسبب السياسة الخارجية الأميركية للسنوات الأربع الماضية فقط، بل "لقضايا ترتبط بالواقع الاقتصادي الذي تعيشه الولايات المتحدة، وقضايا خلافية أخرى مع الديمقراطيين ترتبط بالأسر والمجتمعات والقضايا الجندرية".
ويقول الفقيه "إن ترامب 2024 يختلف عن ترامب 2016 أو 2020، إذ كانت نبرته تحمل عداء ومبالغة تجاه المهاجرين، ولكن بموازنة للمنافع والمصالح، وسياسات الديمقراطيين الداخلية والخارجية في عهد إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن ونائبته كاملا هاريس، والوعود التي أطلقتها حملة الرئيس السابق، قد يكون الرهان على ترامب أجدى من مرشحين آخرين".
ويشرح الكردي أيضا أن "القضايا التي يطرحها المرشح الجمهوري على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة تتقاطع مع أفكار وآراء الناخب الأميركي من أصول شرق أوسطية".
ويؤكد أن ما حصل في عهد الرئيس بوش الابن والحرب في العراق، هو ما دفعت الأميركيين من أصول لتغيير موقفهم باتجاه المرشحين الديمقراطيين، والآن ما يحصل في غزة ولبنان هو ما يدفع بالابتعاد عن الديمقراطيين نحو المرشحين الآخرين.
هاريس مقابل ترامب
وبشأن ما إذا كانت هاريس ستحصل على أصوات ناخبين عرب، ترى أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند الأميركية، سحر خميس، أن من يفضل هاريس من الناخبين العرب يعود هذا الأمر لعدة أسباب، أبرزها أنهم لا يريدون ترامب.
وزادت في حديثها لموقع "الحرة" أن من هذه الأسباب أيضا أنها "امرأة ليست من ذوي البشرة البيضاء، ومن أصول ملونة، وهو ما يجعل بعض الناخبين يأملون أن تكون أكثر عدالة في التعامل مع قضايا المهاجرين والأقليات".
وقالت خميس إذا ما استثنينا ملف السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، قد تكون "هاريس خيارا لناخبين من أصول عربية".
وحتى من يدعم التصويت لهاريس من هذه الفئة، بحسب خميس، لديهم مخاوف من أن تستمر المرشحة الديمقراطية "حمل إرث عملها في إدارة بايدن، لتصبح فترة رئاستها إذا فازت امتدادا للسنوات الأربع الماضية، خاصة في ملفات الشرق الأوسط".
وأواخر تشرين الاول تجمع ناشطون وقادة أميركيون عرب في ديربورن في ميشيغان، لبحث دعم هاريس للرئاسة.
وبحسب تقرير نشرته الإذاعة العامة في ديترويت " wdet" أعرب الناشطون عن "خيبة أملهم" تجاه إدارة بايدن، لكنهم قالوا إن "رئاسة ترامب مرة أخرى ستكون ضارة بالأميركيين العرب وحلفائهم".
وذكرت خميس أن هؤلاء الناخبين يعلمون تماما أنه "لا يمكن تعديل سياسات الولايات المتحدة الداعمة بلا حدود لإسرائيل في المنطقة، ولكنهم يأملون أن تتدخل واشنطن بشكل أكبر لفرض نوع من المحاسبة على استخدام الأسلحة الأميركية لضمان عدم استخدامها ضد المدنيين، وأن تقوم بضغوطات حقيقية مقابل كل المساعدات العسكرية المقدمة".
ويرغب هؤلاء الناخبون بان تكون هاريس أكثر قدرة على الدفع بمسار "حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي" وهو ما تدعمه واشنطن منذ سنوات، ولكنه لم يحظ بالإرادة السياسية الكافية للدفع به، للتعويض عن خيبة الأمل في الإدارة الديمقراطية وتعاملها مع هذا الملف.
ونقلت الإذاعة العامة في ديترويت عن جيمس زغبي، مؤسس المعهد العربي الأميركي قوله "العمل مع ترامب ليس خيارا".
وأضاف نحن بحاجة إلى شركاء للتوصل إلى "وقف إطلاق النار" ودعم "حقوق الفلسطينيين"، وإنهاء الحرب وحظر توريد الأسلحة.
وترجح خميس أن كلا المرشحين "هاريس وترامب، لن يحصلا على معظم أصوات العرب الأميركيين والمسلمين".
وشرحت "أن سياسات ترامب خلال توليه الرئاسة وتصريحاته لطالما كانت معادية للأقليات والمهاجرين خاصة المسلمين، ناهيك عن حظر السفر الذي فرضه على مواطنين من دول ذات غالبية مسلمة".
في المقابل، كانت سياسة المرشحة هاريس، والإدارة الديمقراطية خلال أكثر من عام من الحرب في غزة والآن في لبنان، محل انتقادات، ناهيك عن "فشلهم السياسي والدبلوماسي" في تهدئة التصعيد بدلا من توفير الأسلحة والصواريخ للحروب التي راح ضحيتها آلاف المدنيين في المنطقة.
الحملة الوطنية التي دعمت التصويت بـ "غير ملتزم" بين الديمقراطيين العرب، قالت إنها لا تستطيع تأييد هاريس، لكنها لا تشجع على التصويت لترامب، أو مرشح الحزب الثالث.
وحثت حملات بين الناخبين العرب على التخلي عن دعم هاريس، والتصويت لصالح ستاين مرشحة الحزب الأخضر.
ما الذي تغير من عام 2000 إلى الآن؟
وعلى اعتبار أنهم ينتمون إلى شريحة محافظة اجتماعيا تاريخيا، فضل العرب والمسلمون بفارق كبير جورج بوش الابن في انتخابات العام 2000.
لكن سنوات "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة وتخللتها حروب في الشرق الأوسط وأفغانستان وتم في إطارها تشديد الرقابة على المسلمين في الولايات المتحدة زجت بهم في المعسكر الديمقراطي بحسب تقرير سابقة لوكالة فرانس برس.
وعام 2018، انتخب سكان جنوب شرق ميشيغان رشيدة طليب، أول فلسطينية أميركية تشغل مقعدا في الكونغرس، في عتبة مهمة بالنسبة للجالية.
وانتُخب، أيضا، ثلاثة رؤساء بلديات أميركيين من أصول عربية مؤخرا في الضواحي المعروفة بعنصريتها تاريخيا حيال غير البيض.
وردا على حظر الرئيس السابق ترامب السفر من بلدان مسلمة ودعمه المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغير ذلك، دعم الناخبون في ديربورن بايدن بأغلبية ساحقة عام 2020، ما ساعد الديمقراطيين على ضمان الفوز بالولاية بفارق ضئيل.
واليوم يجد الأميركيون من أصول شرق أوسطية أنفسهم أمام خيارات للابتعاد عن الإدارة الديمقراطية.
الفئات الداعمة لترامب من الأميركيين العرب
"فئة انتفاعية" أو "فئة النكاية بالديمقراطيين" أو "فئة تؤمن بسياسة ترامب في المنطقة"، هؤلاء هم الداعمين لترامب من الناخبين العرب، بحسب تصنيف الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة.
يشرح في حديث لموقع "الحرة" أن "الفئة الانتفاعية أو الانتهازية ترى أن الفائز هو ترامب، ولهذا عليها أن تكون داعمة له بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى"، وهم يتعاملون بـ "منطق ترامب القائم على إما أن تكون معه أو ضده"، ولهذا هم يفضلون أن يكونوا معه من باب "عملي بالنظر لما قد يكون لتحقيق منافع".
ويقول منمينة إنه يوجد أيضا فئة "تريد التعبير عن نكايتها في الديمقراطيين الذين أهملوا الجاليات العربية والإسلامية وأساءوا لها، وبهذا فالدعم لترامب ليس حبا له، بل بسبب الكره للديمقراطيين".
أما الفئة الثالثة والتي تضم جاليات ناطقة باللغة العربية و"التي تؤمن حقا برؤية ترامب في التعامل بشكل حاسم مع بعض الدول في الشرق الأوسط، مثل إيران"، بحسب منمنية.
ويضيف "أن الأميركيين من أصول لبنانية على سبيل المثال، قد يكون بعضهم من هذه الفئة الأخيرة، خاصة مع الوعود بإنقاذ لبنان من الوضع القائم الحالي".
ويحذر منمنية من أنه "لا يمكن التعويل على وعود ترامب فهي ترتبط بأهوائه الشخصية بالنهاية، ولن يغير من موقفه الثابت والداعم تجاه إسرائيل".
وقال منيمنة "من يعول على أن يكون ترامب، وكأنه يعول على أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو منقذا للشرق الأوسط"، إذ تتلاقى الرؤية لدى كل منهما في حل أزمات الشرق الأوسط والتي تميل بالنهاية لصالح إسرائيل، بحسب قوله.
ويأمل الناشط الكردي، أن تختلف سياسات الإدارة الأميركية المقبلة تجاه الجاليات العربية من جهة، والسياسة الخارجية لواشنطن في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
ودعت اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي، وهي منظمة سياسية مؤثرة في ميشيغان، إلى عدم التصويت لهاريس أو ترامب، وذلك على عكس ما قامت به في 2020 عندما أيدت الديموقراطي بايدن.
وقالت المنظمة إن هاريس وترامب "يدعمان بشكل أعمى الحكومة الإسرائيلية الإجرامية بقيادة المتطرفين اليمينيين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو". (الحرة)