تستخدم إيران استراتيجيات متعددة لبسط نفوذها في دول الساحل الأفريقي، لا سيما النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وتعتمد في ذلك على آليات بينها الدعاية الدينية والحملات الإعلامية والسيبرانية، إلى جانب سياسة الأسلحة مقابل اليورانيوم.
منذ عام 2020، تعيش معظم دول الساحل الأفريقي حالة عدم استقرار سياسي بسبب الانقلابات العسكرية، ويهدد التدخل الإيراني بمزيد من الاضطرابات خصوصا إذا نجحت إيران في إيجاد ودعم ميليشيات مسلحة داخل تلك البلدان، على نحو يشبه ما هو حاصل في منطقة الشرق الأوسط.
تضم منطقة الساحل 11 دولة في غرب وشمال وسط إفريقيا، وتواجه تحديات كبيرة مثل النمو السكاني السريع وارتفاع معدلات الفقر وتداعيات تغير المناخ والاضطرابات المسلحة.
للتعامل مع هذه التحديات المختلفة، تسعى الحكومات المحلية إلى الحصول على مساعدات خارجية. لذلك، أصبح تقصي أنشطة إيران في منطقة الساحل مسألة معقدة ومتعددة الأبعاد، رغم أنها لم تعد سرا على أحد، وفق قول سيكو غامبي، وهو محلل من مالي مختص في العلاقات السياسية الأفريقية.
مصالح مشتركة؟
"خروج دول غربية من منطقة الساحل، خاصة النيجر ومالي وبوركينا فاسو، فتح الباب أمام عدة دول، أبرزها إيران"، يقول غامبي في حديث لموقع "الحرة".
استغلت إيران نقاط التقاطع بينها وبين تلك الدول، خصوصا ما يتعلق بالجانب الديني، لتعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري بشكل أكبر، والوصول إلى الموارد الحيوية في دول الساحل الأفريقي، مستخدمة استراتيجيات متعددة من أجل التوغل والانتشار، وفق الإعلامي النيجيري، سيد حبيب الله محمد.
وشدد حبيب الله، في اتصال مع موقع "الحرة" على أن إيران تعرف أن تلك الدول تعتنق الإسلام بشكل كبير، وأشار إلى النسبة الكبيرة للمسلمين في النيجر، والوجود الشيعي في هذه الدول.
"العامل الشيعي"
يقول حبيب الله إن إيران تتعامل مع بعض البيئات المسلمة في منطقة الساحل عن طريق وكلائها المتمثلين في الجمعيات الخيرية، "وهو ما ساعدها على الانتشار".
الباحث المالي في العلوم السياسية، محمد أغ إسماعيل، يرى من جانبه أن "العامل الشيعي"، يلعب دورا في تعزيز هذا التوغل من خلال دعم المدارس الشيعية في كل من مالي والنيجر، واستغلال العلاقات الروسية الأفريقية الجديدة "وأخطاء الغرب في المنطقة"، على حد وصفه.
وتنشط العلاقات الإيرانية في الساحل الأفريقي في الوقت الراهن في مجالي الأمن والاقتصاد أكثر من العامل الثقافي الشيعي، رغم أهميته، يقول إسماعل في اتصال مع موقع "الحرة".
في مايو العام الماضي، زار وزير الدفاع المالي، ساديو كامارا، طهران، والتقى بنظيره الإيراني، وقتها، محمد رضا آشتياني، في إطار مساعي الدولة الأفريقية لتنويع مصادر التسليح، والبحث عن بدائل للسلاح الغربي، خصوصا بعد الانقلاب الذي حصل في البلاد عام 2021، حيث استولى ضباط من الجيش بقيادة العقيد أسيمي غويتا، على السلطة.
وقبل زيارة كامارا إلى طهران، حل وزير الخارجية الإيراني السابق، أمير عبد اللهيان في مالي، عام 2022، ثم في بوركينا فاسو عام 2023، وذلك لتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة التي شهدت عدة انقلابات عسكرية خلال تلك الفترة.
وتمخضت تلك الزيارات، وفق ما أعلن حينها، عن توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة والبناء "تعزيزا للتوغل الإيراني في الساحل الأفريقي"، وفق تعبير أغ إسماعيل.
وكان المجلس العسكري في النيجر قد انخرط في "مفاوضات سرية" مع إيران، وفق تقارير عدة، لتسليمها 300 طن من اليورانيوم مقابل طائرات بدون طيار وصواريخ أرض-جو.
وفي نيسان الماضي، استضافت طهران الدورة الثانية للقمة الأفريقية- الإيرانية، وبعدها أبرمت مع بوركينا فاسو مذكرة تفاهم حول التعاون في الأنشطة النووية السلمية، وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
التوغل الإعلامي.. والعسكري
لتوسيع انتشارها في المنطقة، تستخدم إيران وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، وفق الدكتور بيير بالافي، رئيس قسم الأمن والشؤون الدولية في كلية القوات الكندية في تورونتو.
وفي اتصال عبر البريد الإلكتروني مع موقع "الحرة"، أحالنا بالافي، المختص في السياسات واستراتيجيات النفوذ والسياسة الخارجية، إلى بحث مطول من إنجازه حول سياسات إيران في منطقة الساحل.
خلص بالافي في بحثه إلى أن استراتيجية النفوذ الإيراني في إفريقيا جنوب الصحراء ترتكز على نشر المذهب الشيعي في المنطقة ذات الغالبية السنية لتوسيع نفوذها الجيوسياسي ومواجهة العزلة المفروضة بفعل العقوبات الدولية.
وتقدم إيران برامج تعليمية، ومنحا دراسية، وتمول مراكز ثقافية إسلامية بوصفها أدوات نفوذ ثقافي-ديني "لتعزيز صورتها وشرعيتها" في البلدان الأفريقية، وفق بالافي. (الحرة)