في أولى ردود الأفعال الأميركية، بدا الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، متفقين على الاستنتاج ذاته بخصوص السقوط لسريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد، وهو أن ذلك ليس فقط دليلا على ضعف النظام، بل أيضا ضعف من وفروا له الغطاء والحماية لسنوات، وفي مقدمتهم روسيا.
مثلت الحروب الأهلية التي اندلعت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ 2011، فضلا عن سلطوية وهشاشة بعض الأنظمة الحاكمة وبحثها عن الدعم الروسي عن طريق التسليح والتدريب، فرصة لموسكو لتعزيز حضورها في المنطقة والبحث عن مواطئ قدم تخدم استراتيجيتها الكبرى في التمدد.
ورغم ما يمثله سقوط نظام الأسد من نسف لمشروع استثمرت فيه روسيا الكثير من المال والجهد والدعم العسكري لقرابة عقد من الزمن، حاولت موسكو التصرف ببراغماتية والتعامل مع الأحداث المتسارعة التي سبقت انهيار حليفها في دمشق.
التداعيات لهذا السقوط التي قد تتجاوز ما يحدث في الشرق الأوسط بالنسبة لموسكو، بحثها برنامج "عاصمة القرار".
"ضربة قوية لروسيا"
الخبير في الشؤون العسكرية الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني، ديفيد دي روش قال "لا شك أن غزو أوكرانيا وإبعاد الأسد من خلال بعض الأشخاص كانا بمثابة ضربات قوية لروسيا في الشرق الأوسط وأماكن أخرى".
وأضاف لقناة "الحرة" أنه على المستوى العالمي "قد يكون تأثير ذلك محسوسا بالفعل على روسيا في أفريقيا. وقد حدث أمران رئيسيان. أولا، توقع العديد من المحللين، أن تحقق روسيا أهدافها في أوكرانيا خلال ثلاثة أسابيع تقريبا. لكن، كما نرى، استمروا في ذلك لمدة عامين، وهو ما لم يكن متوقعا، حيث اضطرت روسيا للذهاب إلى إيران للتوسل للحصول على الأسلحة بدلا من العكس".
وخلال الفترة الماضية أصبحت روسيا مضطرة للحصول على أسلحة إيرانية وجنود من كوريا الشمالية، بحسب روش، وهذا يكشف عن ضعف روسيا كقوة عسكرية حقيقية.
أما الخسارة الثانية التي تكبدتها روسيا فهي "فقدان قاعدتها اللوجستية، بما في ذلك القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في اللاذقية. هذه هي القاعدة الدائمة الوحيدة التي كانت تمتلكها على البحر الأبيض المتوسط. ومع استمرار حالة الحرب مع أوكرانيا، لن تتمكن روسيا من إرسال سفنها عبر مضيق البوسفور، مما يعني أنها تفتقر الآن إلى قاعدة دائمة".
وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن في تصريحات سابقة "لقد فشل دعم روسيا للأسد أيضا. وذلك لأن أوكرانيا، بدعم من حلفائها الأميركيين، أقامت جدارا من المقاومة ضد القوات الروسية الغازية، وألحقت أضرارا جسيمة بالقوات الروسية. وهذا جعل روسيا عاجزة عن حماية بشار الأسد حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط. والنتيجة المترتبة على كل هذا هي أنه للمرة الأولى على الإطلاق، لم يعد بوسع روسيا ولا إيران ولا حزب الله الدفاع عن هذا النظام البغيض في سوريا".
الباحث في مركز جامعة جورج تاون للدراسات الأمنية ومعهد بروكينغز، بول بيلار قال إنه "لا شك أن النفوذ الروسي في الشرق الأوسط قد شهد تراجعا ملحوظا منذ سقوط نظام الأسد، الذي كان يمثل القاعدة الثابتة لروسيا في العالم العربي. لذا، فإن هذه التطورات تمثل ضربة قوية لمصالح روسيا في المنطقة".
وأضاف أنه "يبقى أن نرى كيف سيكون مصير القواعد الروسية في سوريا، حيث تسعى روسيا للحفاظ عليها. أعتقد أن الحكام الجدد في دمشق سيكونون مستعدين للتفاوض حول كيفية استمرار وجود هذه القواعد".
وزاد بيلار أنه "من حيث النفوذ العام في الشرق الأوسط، فإن نظام بوتين قد تلقى ضربة قاسية، ومن المحتمل أن يكون أحد النتائج المترتبة على هذا التطور هو زيادة الاعتماد على العلاقة المتنامية بين روسيا وإيران، التي تطورت بشكل كبير من خلال التعاون العسكري، حيث قدم الإيرانيون الأسلحة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والمعدات الأخرى للروس الذين استخدموها في الحرب في أوكرانيا".
تعزيز العلاقات بين موسكو وواشنطن
ويعتقد الخبير العسكري روش، أن بوتين يريد "تحقيق النصر في أوكرانيا، لأنه إذا لم ينجح في ذلك، فقد يواجه خطر الإطاحة به في بلاده. بالنسبة له، الأمر يتعلق بكونه زعيما قويا أعاد لروسيا عظمتها. وفي حال خسارته في أوكرانيا، قد نشهد دولا كانت تحت سيطرته، مثل بيلاروسيا، تبدأ في الابتعاد عنه. لذا، لا أعتقد أنه يهتم بالتعاون مع الولايات المتحدة".
ويرى أن بوتين في "صراع وجودي حقيقي، حيث يتعين عليه إما الفوز أو الخسارة. وإذا خسر، ستكون تلك خسارة فادحة، فمن الضروري جدا هزيمته في أوكرانيا. عندما تنظر إلى قائمة أولويات بوتين، ستجد أن بناء علاقات مع الولايات المتحدة يأتي في مرتبة متدنية جدا، وإذا لم يتمكن من إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، سيواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، ولكن إذا خسر في أوكرانيا، فقد يواجه مصيرا خطيرا".
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب قال "فر الأسد من سوريا لأن حاميته روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، لم تعد مهتمة بالدفاع عنه. لقد فقدت روسيا الاهتمام بسوريا بسبب أوكرانيا حيث سقط ما يقارب ستمئة ألف جندي بين قتيل وجريح. روسيا وإيران هما الآن في حالة ضعف، الأولى بسبب أوكرانيا، والثانية بسبب نجاحات إسرائيل في أرض المعركة".
وسيواجه بوتين "تحديا كبيرا في سعيه للتعافي من هذه الضربة. ومن الحكمة بالنسبة له أن يتبنى سياسات أكثر تصالحية تجاه الغرب"، بحسب المحلل بيلار.
وأضاف أنه فيما يتعلق بالتسوية المحتملة للنزاع في أوكرانيا، فهذا يتطلب التعاون مع الولايات المتحدة، لكنه لا يعتقد أن بوتين سيتبع هذا الاتجاه، إذ أنه يعتبر نفسه في موقع المنتصر في الحرب على أوكرانيا، رغم الخسائر والتكاليف التي تكبدتها روسيا.
وقال بيلار "ما زال بوتين يعتقد أنه قادر على الصمود لفترة أطول من أوكرانيا، وقد يقوده ذلك إلى تحقيق نتيجة نهائية يمكنه تقديمها لشعبه على أنها انتصار. ومع ذلك، سيكون من الأفضل له ولنظامه أن يتبنى سياسة أكثر تصالحية وتعاونا مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام". (الحرة)