تحت عنوان "بشار الأسد.. لاجئ بوتين"، رصدت صحيفة "لوموند" الفرنسية مشهدية سقوط الأسد بعد عقد من تحديه لمصير مشابه للرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش. في نيسان 2014، نقل الأسد رسالة واضحة للكرملين عبر مبعوثه سيرجي ستيباشين: "أنا لست يانوكوفيتش"، في إشارة إلى رفضه مصير اللجوء الذي واجهه الرئيس الأوكراني بعد فراره إلى موسكو.
لكن بعد عشر سنوات، وجد الأسد نفسه في المشهد ذاته. فرّ إلى روسيا بعد سقوط نظامه، تاركًا قصره نهبًا للفصائل المعارضة. وكما حدث مع يانوكوفيتش، بدا الأسد ضحية تجاهل واضح من سيد الكرملين فلاديمير بوتين، الذي لا يُظهر ترحيبًا بالرؤساء المخلوعين.
وفي تصريح رسمي، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن جدول أعمال بوتين لا يتضمن أي اجتماع مع الأسد، ما يعكس الإحراج الروسي من استضافته. أما إعلان وزارة الخارجية الروسية "استقالة" الأسد، فقد شكل إذلالًا غير مسبوق له بعد عقود من حكم عائلته لسوريا.
ونشرت الوزارة الروسية عبر حسابها الرسمي على تطبيق "تلغرام" أن بشار الأسد "قرر ترك منصب الرئاسة وغادر البلاد، معطيا تعليماته بإجراء تداول السلطة بشكل سلمي.. وقد تم نقل الرئيس السوري السابق، الذي يتولى السلطة منذ عام 2000، بأكثر الطرق أمانًا"، حسبما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في 10 كانون الأول الجاري على قناة "إن بي سي نيوز" الأميركية، قائلاً: "إنه آمن، وهذا يظهر أن روسيا تفعل الشيء الصحيح في مثل هذا الوضع الاستثنائي".
واصلت صحيفة "لوموند" رسم صورة سقوط بشار الأسد، حيث أشارت إلى فراره عبر قاعدة حميميم الروسية في عملية وُصفت بـ"المخزية" وفق تصريحات بشار الجعفري، سفير سوريا لدى موسكو. وأكد الأسد في رسالة نشرها على حساباته الرسمية أن عملية الهروب تمت "بطلب" روسي، لكنه لم يغفل اتخاذ احتياطات مسبقة بنقل عائلته وجزء من ثروته إلى روسيا على مدار سنوات.
الصحيفة لفتت إلى أن العلاقة بين الأسد وروسيا كانت قد تعمّقت منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015. حتى أن الأسد أرسل أطفاله الثلاثة عام 2017 إلى مخيم صيفي في شبه جزيرة القرم، لتتوطد علاقتهم بروسيا، حيث بدأوا تعلم اللغة الروسية، التي أصبحت إلزامية في الجامعات السورية. الابن الأكبر، حافظ، حصل لاحقًا على درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة موسكو.
منذ التدخل الروسي، قام الأسد بزيارات متعددة إلى موسكو وسوتشي، بدأها في أكتوبر 2015، عندما انطلق بطائرة روسية من قاعدة حميميم متجنبًا المجال الجوي التركي. هذا المسار ذاته كان شاهداً على هروبه الأخير، في مشهد يُجسد النهاية السياسية لحقبة حكم استمرت 53 عامًا لعائلته.
لكن الطائرات الروسية لم تُستخدم فقط لنقل آل الأسد، بل كانت أموالهم أيضاً تنتقل جواً. في عام 2019، قدرت منظمة جلوبال ويتنس غير الحكومية، المتخصصة في مكافحة نهب الموارد الطبيعية والفساد، أن أعضاء بارزين في عائلة مخلوف القوية، يرتبطون بالديكتاتور ويخضعون أيضًا للعقوبات الأمريكية والأوروبية، يمتلكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار من العقارات المنتشرة في ناطحتي سحاب بمنطقة الأعمال الفاخرة في موسكو، والمعروفة باسم موسكو-سيتي.
الاستثمار الأكبر، تتابع "لوموند"، كان من قِبَل حافظ مخلوف، ابن عم بشار الأسد وأحد المهندسين الرئيسيين للقمع الدموي للاحتجاجات السلمية في عام 2011. ويبدو أنه يستقر مع زوجته في العاصمة الروسية منذ عام 2013. كما اشترى خمسة أشخاص آخرين من العشيرة، بينهم زوجة أغنى رجل في سوريا، رامي مخلوف، عقارات في نفس الموقع، بين حزيران عام 2019 و كانون الأول عام 2023. وأيضاً استخدم إياد وإيهاب الأصغر بين إخوة مخلوف الأربعة شركة مسجلة في روسيا لشراء طابق تقريبا من برج “الاتحاد” الأطول في أوروبا، في فبراير/شباط عام 2019، بقيمة 9.5 مليون دولار. في المجموع، تم شراء 19 شقة. وظهرت شركات، يتم تنسيقها أحياناً من لبنان، توضح “لوموند”.
بالنسبة لبشار الأسد، أوضحت الصحيفة الفرنسية أنه في غضون عامين، بين آذار 2018 أيلول 2019، أرسل البنك المركزي السوري شحنات "سائبة" من الأموال، حوالي طنين من الأوراق النقدية من فئة 100 دولار أو 500 يورو، وفقًا لما كشفت عنه صحيفة فايننشال تايمز، في 15 كانون الأول. وتقول الصحيفة البريطانية إنه خلال هذه الفترة هبطت 21 رحلة جوية في مطار فنوكوفو بموسكو، تحمل ما يقرب من 250 مليون دولار. ومما لا شك فيه أن الزعيم السوري السابق قام إلى حد كبير بتمويل الدعم العسكري والسياسي لحليفه – وفي الاتجاه المعاكس، قامت روسيا بتصدير الأوراق النقدية السورية الجديدة التي طبعها بنك جوزناك – لكن هذا التأصيل الروسي يكشف قبل كل شيء عن وجود تبعية أكبر على نحو متزايد، تقول "لوموند".
وأشارت صحيفة "لوموند" إلى أن أسماء الأسد، المصابة بسرطان الدم، باتت تزور العاصمة الروسية موسكو بشكل متكرر. وأصبحت تصريحاتها تعكس خطاب فلاديمير بوتين، حيث أكدت في مقابلة عام 2023 مع قناة "روسيا اليوم" أن "التحدي الكبير الذي يواجه العالم هو الليبرالية الجديدة التي تهدف لتدمير الهوية الوطنية والإنسانية، وهو ما يهدد الأسرة والمجتمع". (القدس العربي)