نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً جديداً تحت عنوان: "لماذا أراد رفعت الأسد القضاء على أخيه حافظ؟"، وجاء فيه:
في عام 1963 شهدت المنطقة العربية انقلاب حزب البعث بواسطة جناحه العسكري الذي قاده مجموعة من الضباط السوريين الذين تنوعت انتماءاتهم الدينية، وكان حزب البعث الذي تأسس منذ أربعينيات القرن العشرين على يد صلاح البيطار وميشيل عفلق يسعى بكل السُّبل للسلطة؛ ديمقراطية كانت أم بانقلابات عسكرية.
وكان حافظ الأسد ممن انضموا لهذا الحزب مبكراً في فترة الأربعينيات بُعيد انضمامه للجيش متخرجاً من الكلية الحربية، وفي عام 1952 اتبع رفعت نهج شقيقه وقرر الانضمام إلى حزب البعث، كما سار على خطاه بالالتحاق بالخدمة الإلزامية، ومن ثم العمل في وزارة الداخلية عقب انفصال سوريا عن مصر عام 1961، ومن اللافت أن رفعت الأسد انضم للجيش السوري ضابطا متخرجا من الكلية الحربية في حمص بعدما غير مساره من كلية الآداب بجامعة دمشق.
فساد رفعت المبكر
ويروي الدكتور أحمد زكي في كتابه "آل الأسد وأسرار سقوط آخر الطغاة" الصادر عام 2013 أن مشوار رفعت الأسد مع الفساد بدأ قبل أن يصل شقيقه إلى سدة الحكم بصورة رسمية سنة 1970، فعقب انقلاب البعث سنة 1963 وصعود نجم أخيه حافظ قائداً للقوات الجوية ثم وزيراً للدفاع عُيّن رفعت الأسد الذي كان في نهاية دراسته في الكلية الحربية مُدرّسا بها في دفعة تم التوصية عليها من قيادة حزب البعث وخاصة أخيه حافظ وصلاح جديد، وفي الوقت عينه تم تسريح دفعة كانت أكثر كفاءة من رفعت وزملائه "في خطوة كانت تصب في صالح العلويين تمهيدا لاستيلائهم على كل مفاصل الدولة في قادم الأيام".
وبحسب زكي في الكتاب نفسه حينما كان رفعت منتسبًا لكلية الآداب جامعة دمشق وكان ذاهبًا لأداء امتحان مادة التاريخ كان مددجًا بالحرس فاعترض أحد أساتذة الكلية وأبلغ مصطفى طلاس أحد المقربين من حافظ ووزير الدفاع السوري فيما بعد، قائلا: ماذا نفعل؟ فرد عليه طلاس قائلا: لا تفعل شيئًا فهو لن يُعيّنَ مدرسا للتاريخ في جامعتكم.
ومن العجيب أن رفعت أعاد السلوك ذاته عندما انتسب لكلية الحقوق مع زوجته وابنه دريد، وعندما ذهب الثلاثة لأداء الامتحان في كلية الحقوق جامعة دمشق لم يؤدوه في قاعة الامتحانات، بل أدوه في مكتب رئيس الجامعة وأمامهم فناجين القهوة والكتب الخاصة بمادة الامتحان حتى يستطيعوا الغش، فما كان من رفعت إلا أن صرخ قائلا: "العمى في قلبكم أحضروا لي أحد الأساتذة ليُعطيني أجوبة هذه الأسئلة"، بحسب ما يذكره زكي في كتابه الآنف!
كانت أولى مشاركات رفعت العسكرية البارزة في شباط 1966، حيث تعاون مع سليم حاطوم في اقتحام مقر الرئيس أمين الحافظ للإطاحة بأول حكومة بعثية، وكان هذا الانقلاب إيذانا بصعود الضباط العلويين وتهميش الضباط والقيادات السنية في البلاد، وخلال فترة حكم الرئيس نور الدين الأتاسي، الذي خلفَ الحافظ، تم تكليف رفعت بقيادة وحدة خاصة أنشأتها اللجنة العسكرية للدفاع عن النظام تحت إشراف وزير الدفاع محمد عمران.
وبحسب بعض المؤرخين فقد شهدت فترة أواخر الستينيات صراعًا بين طرفين؛ يمثل أحد جناحيه حافظ ورفعت الأسد، والطرف الآخر صلاح جديد ومدير مخابراته عبد الكريم الجندي. وبهدف القضاء على قوة جناح صلاح جديد العسكري وفي أواخر شباط 1969، نفّذ الشقيقان الأسد عملية عسكرية في دمشق، حيث توغلت الدبابات في المدينة لاستهداف أنصار الجندي وصلاح جديد، وانتهى هذا الصراع بانتحار عبد الكريم الجندي في 2 مارس /آذار 1969، مما اعتُبر انتصارا لرفعت.
ومع سيطرة حافظ ورفعت وفي 17 تشرين الثاني 1970، قام حافظ الأسد بما عُرف بالحركة التصحيحية، حيث اعتقل الرئيس الضعيف الأتاسي ورفيقه البعثي العلوي صلاح جديد، وأسند إلى أخيه رفعت مسؤولية تأمين العاصمة دمشق.
انقلاب رفعت ونهايته
وفي تشرين الثاني 1983 تعرض حافظ الأسد لأزمة قلبية حادة كادت أن تودي به واضطر على إثرها للراحة التامة لعدة أشهر، حيث بدت أن الفرصة التي كان ينتظرها شقيقه رفعت الأسد قد حانت، إذ بدأ رفعت يتصرف كأنه الوريث الشرعي للسلطة، معززا نفوذه بين جنرالاته، ما أثار استياء حافظ الأسد الذي كان يتلقى العلاج والراحة، وأيضا كبار المقربين منه.
ووفقا لمذكرات عبد الحليم خدام، نائب الرئيس آنذاك، فإن حملة شديدة ضد رفعت اندلعت بين السوريين منذ السبعينيات، ويتذكر خدام في إحدى جلساته مع حافظ الأسد عام 1978، أنه حذّره من تأثير هذه الحملة على استقرار النظام، فرد الأسد قائلاً: "رفعت مخرز في عيون الرجعية". ليرد خدام: "سنرى في المستقبل إن كان سيصبح مخرزًا في قلب النظام ذاته".
استغل رفعت، الذي كان يتدخل في شؤون الدولة بعنجهية شديدة مرض شقيقه لتعزيز سلطته، حتى أنه بدأ بإصدار توجيهات لرئيس الوزراء آنذاك محمد علي الحلبي دون رادع، وكان حافظ الأسد الملقى على سرير المرض يفكر بتعيين نائبه مكانه لضمان استمرارية النظام، وربما كان يميل إلى رفعت، لكن محاولة الأخير للانقلاب عليه خلال مرضه أخرجته من حسابات التوريث.
عندما اشتد مرض حافظ في تشرين الثاني 1983، استدعى قائد الحرس الجمهوري عدنان مخلوف النائب عبد الحليم خدام إلى المستشفى، حيث أخبره حافظ بمستجدات أوضاعه الصحية، وبسبب ذلك تصاعد التوتر بسبب تحركات رفعت الجريئة، حيث أرسل كتائب من قواته "سرايا الدفاع" إلى شوارع دمشق في استعراض للقوة، وكأنه يُعلن عن استعداده لتولي السلطة خلفا لأخيه.
وأمام هذه التحركات من رفعت اجتمعت القيادة العسكرية بقيادة عبد الحليم خدام، وحكمت الشهابي رئيس الأركان، ومصطفى طلاس وزير الدفاع، وقرروا استدعاء فرقتين عسكريتين لتطويق دمشق ومنع أي محاولات انقلابية، وعندما علم رفعت بالإجراءات وبأن أخيه حافظ قارب تجاوز مرحلة الخطر، تراجع عدد كبير من أنصاره عنه، مما تركه في عُزلة شبه تامة.
وفي أحد اجتماعات القيادة القطرية للبعث، حاول رفعت فرض قراراته بطرد كبار الضباط من الحزب والتهديد باستخدام قواته للاستيلاء على دمشق، إلا أن خدام تصدى له بقوله: "إن كنت تريد القيام بانقلاب، فافعل، لكن الدبابات التي تهدد بها ليست ملكا لك". أثارت تصريحات خدام غضب رفعت، لكنه أنكَر تهديداته لاحقًا.
وفي أوائل 1984، بدأ حافظ الأسد بالرد على تحركات شقيقه بعد استعادته جزءا كبيرا من عافيته، حيث أمر باعتقال أحد أبرز مساعدي رفعت، وهو العقيد سليم بركات، ثم أرسل لرفعت رسالة عبر شقيقهما الثالث جميل، قال فيها: "أنا أخوك الأكبر الذي عليك طاعته، ولا تنسَ أنني أنا الذي صنعتك".
وحتى يضمن حافظ كسر شوكة أخيه قرر إبعاده عن سرايا الدفاع التي ستُصبح فيما بعد "الفرقة الرابعة" بعد إقصاء رفعت عنها، وفي مارس/آذار 1984، عُيّن رفعت نائبًا للرئيس وهو منصب مدني، وقد حرمه في الوقت نفسه من أي مهام فعلية، محوِّلًا صلاحياته الأمنية إلى العقيد محمد غانم.
في 30 آذار 1984، رد رفعت الأسد على هذا الترتيب بخطوة تصعيدية، حيث أمر قواته بالدخول إلى دمشق والاستيلاء على نقاط استراتيجية؛ استعدادًا للسيطرة على السلطة وبالفعل تمكنت قوات رفعت، المعروفة بـ"سرايا الدفاع" من التمركز في مواقع قادرة على تهديد العاصمة بالقصف، بينما استعدت القوات الموالية لحافظ الأسد، مثل القوات الخاصة بقيادة علي حيدر والحرس الجمهوري بقيادة عدنان مخلوف، لمواجهتها.
ووفقا لباتريك سيل، في كتابه "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط": "لو اشتبكت قوات الطرفين في دمشق، لكان الدمار هائلا، ولتضررت صورة النظام بشكل لا يمكن إصلاحه، وربما لم تكن العاصمة لتنجو". وأضاف قائلا: "ترك حافظ الحبل لرفعت بما يكفي لشنق نفسه".
وفي ذروة تلك الأزمة ارتدى حافظ الأسد ملابسه العسكرية، ورافقه ابنه الأكبر باسل، الذي كان سيصبح لاحقًا ذراعه اليمنى حتى وفاته في حادث سيارة عام 1994، حيث قاد حافظ سيارته بنفسه دون حراسة، إلى مقر قيادة شقيقه رفعت في حي المزة بدمشق، وهذه الواقعة يرويها وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس في كتابه "ثلاثة أشهر هزت سوريا" أن عدنان مخلوف، قائد الحرس الجمهوري، اتصل به لإبلاغه أن حافظ توجه بمفرده لمواجهة رفعت، وترك تعليمات صريحة: "إذا لم أعد بعد ساعة، أبلغ العماد طلاس بتنفيذ الخطة لمواجهة قوات رفعت".
وفي ذلك القاء الحاسم واجه حافظ شقيقه مباشرة وسأله: "هل تريد إسقاط النظام؟" وأضاف بحزم: "أنا النظام!". جرى نقاش حاد بينهما، قبل أن يقدم الأسد عرضا لإنهاء الأزمة، حيث وعد رفعت بخروج آمن، يضمن احترام كرامته، وحماية مصالحه، وضمان خروجه إلى المنفى الذي يختاره، مع التأكيد على عدم اتخاذ أي إجراء ضده.
وبحلول أواخر نيسان 1984، بدأ رفعت الأسد يدرك أن ميزان القوى قد انقلب تمامًا لصالح شقيقه حافظ وأن كل قوات الجيش والحرس الجمهوري والقوات الخاصة بل وكثير من قيادات "سرايا الدفاع" أصبحوا قلبا وقالبا مع حافظ، إلى درجة أصبح معها أي تحرك منه غير ممكن، وفي تلك اللحظة لجأ رفعت إلى شقيقه جميل الأسد للتوسط من أجل مصالحة مع حافظ، معربا عن استعداده للامتثال لأي قرار يتخذه.
واستغل حافظ الأسد انهيار شقيقه وإعلانه استسلامه، وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بإعادة "سرايا الدفاع" إلى سيطرة هيئة العمليات في القوات المسلحة، مع إبقاء رفعت في منصب نائب رئيس الجمهورية مسؤولا نظريًا عن شؤون الأمن، كما نص الاتفاق على سفر رفعت إلى موسكو بصحبة مجموعة من كبار الضباط لفترة تهدئة.
وفي 28 أيار 1984، غادرت طائرة تقل رفعت الأسد وعددا من أبرز قادته إلى موسكو، إلا أن تلك الرحلة كانت البداية لعزله التدريجي، حيث تم استدعاء الضباط المرافقين له واحدًا تلو الآخر إلى سوريا، تاركين رفعت وحيدًا في منفاه.
وعاد رفعت الأسد إلى سوريا عام 1992 بناءً على رغبة والدته التي توفيت في العام نفسه، وفي عام 1994، شارك في تقديم واجب العزاء لشقيقه حافظ الأسد بعد وفاة نجله باسل في حادث سيارة، لكنه أُقيل لاحقا في العام نفسه من منصبه في الجيش، رغم استمراره لفترة في شغل منصب نائب الرئيس قبل إعفائه رسميا.
وفي عام 1997، أسس رفعت محطة فضائية في لندن، وفي العام التالي أنشأ حزبا سياسيا في أوروبا برئاسة نجله سومر الأسد، داعيا إلى التغيير السياسي في سوريا، وفي عام 1999، تورط أنصاره في اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية في اللاذقية، مما زاد من تعقيد علاقته بأخيه.
وعندما توفي حافظ في 10 حزيران عام 2000، أصدر رفعت بيانا نعى فيه شقيقه وأعلن نفسه وريثا شرعيًا للرئاسة، ولكن ذلك البيان لم يلق آذانا مصغية؛ لأن أبناء حافظ بشار الذي تسلم الرئاسة، وماهر الذي كان يسيطر على الفرقة الرابعة كانا أقوى بحكم السيطرة على الأرض، بل أمر نائب الرئيس عبد الحليم خدام باعتقاله إذا حاول حضور جنازة حافظ الأسد في 13 حزيران.
مع اندلاع الثورة في سوريا في ربيع 2011، تبنى رفعت موقفا معارضًا للنظام، بينما بدأ نجله ريبال في الظهور بنشاطات سياسية علنية، ورغم ذلك، تراجع حضور رفعت الأسد السياسي بشكل كبير خلال السنوات التالية. (الجزيرة نت)