أكد موقع "أويل برايس" المتخصص في شؤون النفط والطاقة أن إيران تعاني من تراجع نفوذها الإقليمي بشكل غير مسبوق.
وذكر الموقع أن "سفارة إيران في دمشق تعرضت لهجوم إسرائيلي في وقت سابق، كما أن حلفاءها الأساسيين، حزب الله في لبنان، وحماس في غزة ونظام الأسد في سوريا، يواجهون انتكاسات متتالية، ما أضعف ما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني".
ورغم أن حركة "حماس" تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها جزئياً، فقد أثرت الضربات الموجعة في استراتيجية إيران الإقليمية.
وأوضح الموقع في تقرير أنه على الصعيد الداخلي، تتفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث سجل الريال الإيراني أدنى قيمة له في التاريخ بسبب العقوبات الأميركية وسوء الإدارة الحكومية وانتشار الفساد، وأضاف: "أما على الصعيد السياسي، فقد ازدادت عزلة طهران، لا سيما بعد أن وافق حزب الله على وقف إطلاق النار مع إسرائيل وانسحاب قواته من جنوب لبنان، مما سحب من إيران ورقة ضغط عسكرية مهمة".
وتابع: "إضافة إلى ذلك، شكلت وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي المفاجِئة في حادث تحطم مروحية فراغاً في السلطة، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين الفصائل المختلفة داخل النظام. وفي الوقت نفسه، تتزايد الاحتجاجات الشعبية بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع تكاليف التدخلات الخارجية لطهران، مما يسلط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الحكومة والشعب".
تحديات اقتصادية واستراتيجية مستمرة
ويقول الموقع إنه "في عام 2025، ستظل إيران تواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة، فالعقوبات الاقتصادية والتضخم وتدهور العملة تعصف بالاقتصاد، وتلوح في الأفق عودة محتملة لسياسة أقصى ضغط ممكن لإدارة دونالد ترامب"، وأردف: "لقد بدأت واشنطن بالفعل في استهداف أسطول الظل من ناقلات النفط التابعة لطهران، بزعم أنه يمول البرنامج النووي لطهران".
وتابع: "تحاول إيران تخفيف آثار هذه الأزمات عبر تطوير ممرات تجارية مع أفغانستان والصين، كما تلعب دوراً رئيساً في ممر النقل الدولي الشمالي-الجنوبي، الذي يربط الهند بأوروبا، مما يعزز من علاقاتها التجارية مع دول آسيا الوسطى".
ومع ذلك، ما تزال أزمة المياه تمثل تهديداً كبيراً، حيث تعاني إيران من جفاف شديد، وتخوض مفاوضات مع أفغانستان حول حقوقها المائية وفقاً لمعاهدة نهر هلمند لعام 1973، التي لم تُنفذ بشكل كامل بسبب عقود من الاضطرابات في أفغانستان.
إقليمياً، تراجع النفوذ الإيراني يعني أن الانتقادات الداخلية للسياسات الخارجية في تصاعد، خاصةً مع ارتفاع الأصوات المعارضة لإنفاق نحو 20 مليار دولار في صراعات خارجية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن على حساب الأوضاع المعيشية المتدهورة داخل إيران.
الملف النووي والتحولات الأميركية
وأضاف التقرير: "يبقى البرنامج النووي الإيراني هو محور الاهتمام الدولي. ومن المتوقع استئناف المفاوضات في كانون الثاني 2025، في ظل اقتراب موعد حاسم للاتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وأدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 إلى إعادة فرض العقوبات، بينما رفعت أوروبا بعضها، لكن إيران واصلت تطوير قدراتها النووية".
وأعرب ترامب عن رغبته في التوصل إلى اتفاق، لكنه في الوقت نفسه يُعيد سياسته المتشددة. وأشارت تقارير استخباراتية إلى أن إيران تعمل على خيار تصنيع سلاح نووي بدائي، رغم أن المرشد الأعلى علي خامنئي لم يتخذ قراراً نهائياً بتطويره.
إيران تناور دبلوماسياً
يؤكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عزمه على تعزيز العلاقات الإقليمية، والتواصل البناء مع أوروبا، وتحقيق الاستقرار. كما أبدى خامنئي استعداداً للتفاوض مع إدارة ترامب.
وأثناء حملته، أعرب ترامب عن رغبته في رؤية إيران "ناجحة"، لكنه شدد على ضرورة منع امتلاكها سلاحاً نووياً. كما أشار نائبه جي دي فانس إلى أن الحرب على إيران ستكون مكلفة ولا تصب في مصلحة أميركا.
لكن مع وجود أصوات متشددة في واشنطن وتل أبيب تدعو لضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، يبقى السؤال، هل سيكون ترامب قادراً على الموازنة بين الضغوط الداخلية والدبلوماسية؟
تحالفات إيران المتغيرة
ومنذ 2018، تغيرت موازين القوى، فقد وقعت إيران اتفاقيات شراكة استراتيجية مع الصين في 2021، وروسيا في 2025، ما عزز موقفها الاقتصادي والسياسي. وعلى عكس الماضي، لم تعد إيران معزولة بالكامل.
وأوضح التقرير أن الصين تلعب دوراً رئيساً في لعبة الشطرنج الجيوسياسية هذه، حيث تستورد 1.75 مليون برميل من النفط الإيراني يومياً، وتنظر إلى عقوبات ترامب باعتبارها هجوماً على كل من الصين وإيران.
وإذا اعترضت الولايات المتحدة "أسطول الظل" الإيراني، فقد تصعّد الصين بإعلان مثل هذه الإجراءات قرصنة أو ترسل بحريتها لمرافقة الناقلات الإيرانية. ويمكن أن تستغل "بحرية جيش التحرير الشعبي"، الأكبر في العالم، الوضع فرصة لتوسيع وجودها العسكري.
إن التداعيات الاقتصادية لأي مواجهة بين الجانبين تتسم بالخطورة الشديدة؛ فقد يؤدي اندلاع صراع إلى اضطراب أسواق النفط وزيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع التضخم، وانخفاض ثقة المستثمرين عالمياً، وفق ما يقول التقرير.
صفقة أم مواجهة؟
وذكر التقرير أن التحدي الذي تواجهه إيران هو صياغة صفقة تجعل ترامب يعتقد أنه الوحيده الذي استطاع تحقيقها.
وقد تطالب طهران هذه المرة بمعاهدة رسمية تتطلب تصديقاً من مجلس الشيوخ، ما سيؤدي إلى نقاشات داخلية حادة في واشنطن.
وفي النهاية، يبقى السؤال، من سيكون "سيد فن التفاوض" هذه المرة، ترامب أم إيران؟، يختم التقرير.