ذكرت صحيفة "The Telegraph" البريطانية أن "استعراض القوة الذي أظهره الرئيس
الاميركي دونالد ترامب من خلال استهداف الحوثيين، لم يكن يهدف فقط إلى إبقاء ممرات الشحن مفتوحة، بل كان رسالة إلى بلد آخر تماماً، وهو إيران. في الواقع، إن التحدي كبير. فرغم أنه لا يحظى بالاهتمام الكافي كغزة وأوكرانيا، إلا أن البرنامج النووي الإيراني يُعدّ من أكبر المشاكل في لائحة ترامب".
وبحسب الصحيفة، "يمتلك النظام ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج مواد صالحة لصنع أسلحة نووية لخمس قنابل على الأقل. إن الوقت المستغرق بين إصدار الطلب وخروج الرؤوس الحربية من خطوط الإنتاج لا يتم تقديره بالسنوات بل بالأسابيع. وفي 7 آذار، وجّه ترامب رسالةً إلى المرشد
الأعلى الإيراني علي خامنئي، مُحدّدًا مهلة شهرين لتوقيع
اتفاق نووي جديد. وقبل ذلك بيوم، قامت طائرات إسرائيلية بمناورة مشتركة مع قاذفات أميركية من طراز B52، وهي واحدة من طائرتين فقط قادرتين على إطلاق القنابل اللازمة لضرب المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها. أما الطائرة الأخرى، وهي B2-Spirit، فقد استُخدمت في غارات نهاية الأسبوع على اليمن. الرسالة واضحة: إن الجهود التي استمرت عقودًا لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية قد وصلت إلى نقطة حرجة، وترامب وحده هو من يقرر ما إذا كان سيتجنب هذا الأمر بالدبلوماسية أم بالوسائل العسكرية".
ورأت الصحيفة أن "الصعوبة تكمن في أن كلا الخيارين سيضعه في خلاف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي بدأ يتقرب منه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والذي يُعتبر حليف آيات الله. والسؤال الآن هو: هل ستدافع
روسيا عن رجال الدين في طهران، أم ستضحي بنظامهم على مذبح التقارب الروسي الأميركي؟"
وبحسب الصحيفة، "تشير الدلائل الأولية إلى أن هناك الكثير مما يدعو آيات الله للقلق بشأنه. فعندما تحدث ترامب وبوتين مطوّلاً الأسبوع الماضي، في محاولة ظاهرية لإنهاء حرب أوكرانيا، دار حديثٌ مُبهمٌ حول كون الشرق الأوسط "منطقة تعاونٍ مُحتمل لمنع نشوب صراعاتٍ مُستقبلية". وبعد ذلك مباشرةً، اتصل بوتين بإيران لعرض خدماته كوسيطٍ مع الأميركيين، وقال أحد المُطلعين للصحيفة إن الروس "قالوا إن ترامب يُريد الحوار ويُفضّله على الحرب". ويتمثل السيناريو الكابوسي في طهران في أن يسحب بوتين دعمه للنظام مُقابل الحصول على دعم ترامب في أوكرانيا، وأن يُجبر تحالفٌ روسيٌّ أميركيٌّ طهران على الامتثال المُهين بشأن القضية النووية. ولكن العواقب المترتبة على رفض مبادرات بوتين وترامب ليست أكثر جاذبية. ويُضيف المصدر: "يبدو عرض ترامب لإنهاء الحرب على أوكرانيا أشبه بموقفٍ مُربك، أحدهما يؤدي إلى الحرب والدمار والآخر إلى الإذلال. ومع ذلك، لا أحد هنا يرغب في رفض أي عرض من بوتين. نعم، إنه وضعٌ صعب"."
القشة الأخيرة
وبحسب الصحيفة، "في العام 2025، ستواجه جمهورية إيران الإسلامية كل التحديات التي مرت بها على مدى ألفي عام ونصف دفعة واحدة. ففي العام الماضي، مُنيت بهزيمة عسكرية مُذلة بعد أن أضعفت
إسرائيل كلا من حماس وحزب الله، زد على ذلك الإطاحة ببشار الأسد في سوريا. كما وأدت الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية العام الماضي إلى استنزاف شبكة الدفاع الجوي والآلات التي تصنع وقود الصواريخ أرض-جو بشكل خطير. الاقتصاد في حالة انهيار حر، كما أدى جفافٌ شديدٌ، لم يُبلّغ عنه بشكلٍ كافٍ، واستمر لسنوات، إلى نقصٍ حادٍّ في المياه. وقال مسؤول إيراني كبير للصحيفة إن الوضع ميؤوس منه للغاية، لدرجة أن خامنئي مُجبرٌ على الاختيار بين التفاوض مع أميركا لتخفيف المعاناة الاقتصادية، أو بناء قنبلة نووية كضمانةٍ نهائية. وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "هذه هي السبل الوحيدة لبقاء النظام". وأضاف أن التردد الحالي بشأن المسار الذي سيختاره "يدفع النظام نحو الانهيار"."
ثورة جديدة
وبحسب الصحيفة، "في نهاية المطاف، من المرجح أن يأتي تغيير النظام من الداخل. ويبدو المشهد، من نواحٍ عديدة، مُهيئًا لثورة جديدة. في سن الخامسة والثمانين، يقترب خامنئي من نهاية حياته، ومهما كانت طريقة وفاته في النهاية، يفترض الحرس الثوري الإسلامي أن وفاته وتعيين خليفة له سيصاحبهما انتفاضة هائلة مناهضة للنظام. وقال أحد أعضاء ميليشيا الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني للصحيفة العام الماضي: "إن قمع الاحتجاجات الذي شهدتموه في السنوات الأخيرة ليس سوى تمهيد للانتفاضة الأخيرة، والتي ستحدث بعد وفاة المرشد الأعلى". إن أحد أسباب قلق النظام الشديد إزاء هذه الانتفاضة هو أنها من المرجح أن تجمع معارضين من مختلف الأطياف السياسية".
وتابعت الصحيفة، "يتفق المحللون الإيرانيون والأجانب عمومًا على أن خليفة خامنئي المرجح هو ابنه الثاني، مجتبى، ويعتقد البعض أن الأخير لديه خطط لمجموعة من الإصلاحات على غرار سياسات محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. ويتمثل الهدف في اتخاذ خطوات تحديثية كافية لإصلاح العلاقات مع الغرب والشعب الإيراني كوسيلة لترسيخ قبضة النظام على السلطة. في الواقع، مجتبى ليس شخصاً إصلاحيًا، فهو يحظى باحترام كبير في الحرس الثوري الإيراني، وتضم دائرته المقربة بعضًا من أكثر رجال الدين تطرفًا في إيران. لذا، من المؤكد أن تعيينه سيثير رد فعل عنيف من الإيرانيين المناهضين للنظام والموالين له، على حد سواء".
خيارات ترامب
وبحسب الصحيفة، "ماذا يعني كل هذا لترامب الذي يحاول منع إيران من امتلاك قنبلة نووية؟ أولاً، لديه نفوذ اقتصادي حقيقي. وقال البروفيسور علي أنصاري، رئيس مركز الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز، في إشارة إلى نظام العقوبات القاسية الذي فرضه ترامب: "أعتقد أن سياسة "الضغط الأقصى" إذا أُعيد تطبيقها بالطريقة التي اتبعها في المرة السابقة، ستُسرّع من عملية الانهيار الاقتصادي". أما إذا اضطر إلى اختيار الحل العسكري، فيفترض معظم المراقبين أن ترامب يُفضّل أن تقوم
إسرائيل بالقصف الفعلي. ويُعد الدور الروسي هنا مهمًا أيضًا، فدعم بوتين، أو على الأقل موافقته، سيجعل المهمة أكثر أمانًا. ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة. فبدايةً، يتطلب قمع الدفاعات الجوية وتوفير غطاء جوي وضرب الأهداف حزمة مقاتلات من 100 طائرة، ويستهلك كامل قدرة
إسرائيل على التزود بالوقود جوًا، وفقًا لدراسة أجرتها دائرة أبحاث الكونغرس الأميركي عام 2012".
ورأت الصحيفة أن "ما سبق لا يشكل مشكلة بالنسبة لسلاح جو كبير ومدرب تدريبًا جيدًا كسلاح الجو الإسرائيلي، لكن حجم القنابل المطلوبة هو المشكلة. فقنابل "اختراق التحصينات" التي زودتها بها الولايات المتحدة، كتلك التي استُخدمت لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مصممة لاختراق ما يصل إلى مترين من الخرسانة المسلحة. أما محطة فوردو للتخصيب في إيران، فهي مبنية في جبل تحت ما يُقدر بـ 89 مترًا من الصخور الصلبة، وقد بنى النظام "مدنًا صاروخية" تحت الأرض في كل محافظة، والسلاح غير النووي الوحيد المعروف القادر على إصابة هدف كهذا هو قنبلة ضخمة بطول ستة أمتار ووزن 12 طنًا تُسمى GBU-57A/B. إنها ضخمة لدرجة أنها لا يمكن أن تحملها إلا قاذفات أميركية ثقيلة مثل B2 Spirit أو B-52، والتي لا تمتلكها
إسرائيل، لذا، فإن التدخل الأميركي على الأرجح أمر لا مفر منه. وإلى جانب ذلك، يعتمد نجاح المهمة في المقام الأول على معلومات استخباراتية موثوقة".
التداعيات
بحسب الصحيفة، "يعتقد بعض الإيرانيين المناهضين للنظام أن مثل هذه الغارة الجوية قد تكون كافية لتدمير ما تبقى من صدقية خامنئي. ومن المشاكل الأخرى المتعلقة بتغيير النظام عدم وجود قادة بديلين واضحين داخل إيران. لذا، من المرجح أن يأتي التغيير من الإيرانيين أنفسهم".