نشر معهد الأمن القومي الإسرائيلي دراسة جديدة تحدثت عن الخيارات التي تقف إسرائيل أمامها بشأن حربها في غزة.
وذكرت الدراسة أنه "لدى إسرائيل ثلاث مسارات استراتيجية محتملة لتحقيق أهداف حربها: احتلال قطاع غزة وفرض الأحكام العرفية؛ حصار قطاع غزة وإضعاف حماس وردعها، الاتفاق على مناقشة المقترح العربي لإعادة إعمار قطاع غزة واستقراره وإقامة حكومة بديلة فيه".
وتابع: "من بين الخيارات الثلاثة، فإن المسار الدبلوماسي ــ مناقشة الاقتراح العربي ــ هو المسار الوحيد الذي قد يعزز أهداف الحرب بتكاليف منخفضة نسبياً، ولكن لأن الخطوط العريضة لم تُصغ بحيث تؤدي إلى إبعاد حماس عن أي قدرة عسكرية في قطاع غزة، فإن الحكومة
الإسرائيلية لم تناقشها على الإطلاق".
احتلال قطاع غزة وإقامة حكومة عسكرية
وفق المعهد، فإن "ميزة الحكم العسكري في قطاع غزة هي القدرة على استخدامه لتحقيق أهداف الحرب في سياق حماس"، وأضاف: "في المقابل، فإن استبدال حكومة حماس سيتم من قبل إسرائيل، وسوف يقوم الجيش
الإسرائيلي بتوزيع المساعدات الإنسانية بالكامل، وبالتالي منع حماس من بيعها واستخدام توزيعها للسيطرة المدنية. إن التواجد المطول في الميدان من شأنه أن يزيد من إمكانيات جمع المعلومات الاستخباراتية، وهو ما من شأنه أن يزيد من تآكل قدرات حماس ويساعد في تحقيق إنجازات عملياتية ضدها. ومن ناحية أخرى فإن الحكومة
العسكرية سوف تفتقر إلى الشرعية بين سكان قطاع غزة وعلى الساحة الدولية، فضلاً عن أن تكلفتها الاقتصادية سوف تكون عالية وستكون لها عواقب عديدة على الاقتصاد الإسرائيلي".
وقال: "إن الغزو في حد ذاته سيكون معقدًا للغاية، لكنه ممكن، والخطوات لذلك هي:
- الاستيلاء على كامل المنطقة فوق الأرض (سواء في عملية زحف أو في حملة شاملة)
- تنقية المساحة فوق الأرض وتحتها.
- إعادة توزيع القطاع إلى قطاعات إقليمية (Hatmarim)
- وسيتم تعيين ممثل للحكومة
العسكرية لكل مدينة وحي، والذي سوف يتواصل مع القيادة المحلية ويدير الإدارة المحلية.
- وسيتم التعامل مع رفاهية السكان في دائرتين، حيث تشمل الدائرة الأولى والفورية السكان في مناطق القتال - أمنهم، والمأوى للنازحين، وتوزيع الغذاء، والخدمات الطبية.
- مع مراعاة مدة الحكم العسكري، سيكون من المطلوب الاستجابة لجميع الاحتياجات المدنية وفقاً للطريقة التي تعمل بها الإدارة المدنية.
حصار قطاع غزة - حماس ضعيفة ومحبطة
وبموجب هذا النهج، يقول المعهد إنّ إسرائيل ستفرض حصاراً جزئياً على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، وأضاف: "لن يكون من الممكن إعادة إعمار القطاع والتجارة، وستعمل إسرائيل على تعميق الفجوة بين السكان وحماس. هذه الفكرة، التي لم تكن ممكنة في عهد إدارة بايدن، تبدو أكثر إمكانية في عهد إدارة ترامب. ويبدو أن الرئيس الحالي للولايات المتحدة لا يجد أي مشكلة في دعم إسرائيل، حتى في الوقت الذي تفرض فيه القيود على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. إن الإنجاز البعيد المدى الذي ستسعى إسرائيل إلى تحقيقه من خلال الحصار هو تخلي حماس عن السيطرة على القطاع بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها، وتفضيلها نقل إعادة إعمار المنطقة إلى طرف آخر".
وتابع: "لكن هناك مشكلة استراتيجية خطيرة كامنة في خيار الحصار، وهي أن حماس سوف تنظر إليه وتقدمه على أنه انتصار ودليل على نجاحها في مواجهة تحدي الحرب مع إسرائيل، وتسببها في طردها من قطاع غزة، وأنها الآن تتعامل مع الحصار ــ وهو وضع ليس جديداً عليها. وفي ظل ظروف الحصار، فمن المتوقع أن تتمكن حماس من السيطرة على المساعدات التي تصل إلى القطاع، بقدر ما تدخل، وستجد إسرائيل صعوبة في فرض وصول المساعدات إلى سكان المنطقة. وسوف تنشأ هنا معضلة بين تجويع السكان بالكامل، الأمر الذي من شأنه أن يعرض إسرائيل لخطر اتهامها بارتكاب جرائم حرب، وبين بقاء حماس في القطاع ضعيفة ولكنها فوق عتبة البقاء. وتشير التجارب السابقة إلى أن حماس ستعمل بعد ذلك على توجيه الغضب الشعبي نحو إسرائيل، والذي قد يتجسد في مسيرات ومظاهرات حاشدة، وفي تشجيع الحملة الدولية ضد إسرائيل بدعوى ارتكابها جرائم حرب".
وقال: "إن عواقب الحملة ضد إسرائيل على الساحة الدولية قد تضر بالاقتصاد الإسرائيلي، رغم أن الضغط في هذه الحالة سيكون أقل من المتوقع إذا احتلت إسرائيل القطاع وفرضت عليه الحكم العسكري، حيث تتعرض إسرائيل منذ عدة سنوات للانتقادات على أساس أنها تفرض حصاراً على قطاع غزة".
واستكمل: "إن المشكلة الرئيسية الكامنة في حالة الحصار هي الهزيمة العسكرية. أولاً، فشلت دولة إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب كما حددتها. ولم يتم إطلاق سراح الرهائن وبقيت حماس في مكانها. وتتجاوز الأهمية الاستراتيجية لهذا الوضع بكثير التداعيات المتعلقة بقطاع غزة وحده. وقد ترى
الولايات المتحدة أيضاً في هذا علامة ضعف، وفي عالم الرئيس ترامب لا يوجد مكان لدعم الدول الضعيفة والقادة الضعفاء (انظر الاجتماع مع فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض)".
وأردف: "أما بالنسبة لاستنزاف حماس وإمكانية قلب نظام حكمها من الداخل، فهناك دلائل أولية على اضطرابات شعبية ضد المنظمة تطالب بإنهاء الحرب وإزالة قياداتها من المنطقة. ولا يزال من المبكر جداً تقييم حجم الاحتجاج، وما إذا كان سيزداد ويتسع، وما إذا كان قادة التنظيم سيضطرون بالفعل إلى مغادرة القطاع للهروب من غضب الجماهير. وفي الوقت نفسه، أبدت حماس بالفعل استعدادها لوقف المظاهرات ضدها باستخدام العنف الصارخ. ولذلك فإن الشك في نجاح الاحتجاج مبرر في ضوء التجارب السابقة وخاصة في الوقت الحاضر حيث تسود حالة من الجنون بين قيادة المنظمة، ولسبب وجيه، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً أن المقاومة الشعبية سوف تقابل بقبضة من حديد ويتم قمعها".
حكم مدني بديل مع إبقاء حماس تحت الأرض
وذكر المعهد أن "الميزة الكبرى الكامنة في هذا البديل هي الميزة الاقتصادية"، وقال: "في حالة وجود حكومة تكنوقراطية ـ حكومة مدنية بديلة ـ فإن حماس لن تقوم بتوزيع المساعدات الإنسانية، وبالتالي لن تصبح أقوى اقتصاديا. وببطء، سوف تتآكل حالته المدنية أيضاً. وقد ترى إسرائيل في هذا الوضع إنجازاً لهدف الحرب. ولكن العيب الكبير سيكون استمرار حماس في الوجود تحت السطح. وسوف يزعم البعض، بحق، أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يقوم أعضاء حماس أيضاً بإلقاء ممثلي الحكومة المدنية البديلة من فوق الأسطح، كما فعلوا مع أعضاء السلطة الفلسطينية في عام 2007. وسوف تستمر حماس في النمو، ومعها التهديد الذي تشكله".
وتابع: "كانت هذه العيوب معروفة بالفعل منذ بداية الحرب، عندما تقرر أن تشكيل حكومة بديلة في قطاع غزة هو النموذج المطلوب. كذلك، كان الحل الذي صاغوه هو إبقاء مسؤولية الأمن في أيدي إسرائيل، ومواصلة تقويض قدرات حماس من خلال سلسلة من العمليات على مدى أشهر عديدة، حتى يتم إضعافها بشكل كامل. وكان الحل الثاني الذي تم النظر فيه هو بناء قوات محلية في غزة لفرض القانون والنظام. وكانت الخطة تقضي بتدريب نحو 5 آلاف شخص مؤهل في الأردن، في إطار التدريب الأميركي، وإعادتهم إلى قطاع غزة كضباط شرطة يتم دفع رواتبهم من قبل جهة أخرى غير حماس. وهكذا، ربما، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن، سوف تتآكل حماس إلى حد التحدي الذي تشكله حالياً في الضفة الغربية، حتى لو لم تختفِ عن وجه الأرض".
واستطرد: "رغم أن هذا النموذج كان خيار الحكومة
الإسرائيلية في بداية الحرب، إلا أنه لم يتم تنفيذه لأنه لم يكن هناك نقاش بشأن السلطة المدنية البديلة لحماس. ولذلك فإن الاقتراح المصري والاقتراح الإماراتي لإعادة إعمار قطاع غزة واستقراره، مع عدم مشاركة حماس في الحكومة، هما الأقرب إلى المصالح الإسرائيلية اليوم. لكن إسرائيل رفضت كلا الاقتراحين. ويتضمن المقترحان تشكيل تحالف دولي من الدول
العربية والغربية، يكون مسؤولا عن إعادة إعمار القطاع والإشراف على مجلسه المدني. ويتضمن المقترحان أيضاً إنشاء قوة للأمن وتوزيع المساعدات الإنسانية، وهي ليست تابعة لحماس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ليست مشاركة في إطار المقترحين، بل من المفترض أن توافق فقط على الخطوة. الفرق بين المقترحين يتعلق بطبيعة الجسم الذي سيحكم غزة. وبحسب المقترح الإماراتي، فإن هذه القوة ستكون بمثابة سلطة عليا، بينما المقترح المصري سيكون عبارة عن لجنة مدنية من سكان غزة لا ينتمون إلى السلطة الفلسطينية أو حماس".
(الخنادق)