يبدو أن روسيا تتجه نحو "معادلة جديدة تعيد تصويب الوضع في سوريا" وفق ما كشفته دوائر سياسية في موسكو، مما يشكل دلالة قاطعة على سقوط كل المبادرات والطروحات التي دارت رحاها في اروقة المفاوضات لحل الازمة، في ظل واقع استُنزفت فيه القوى المشاركة على كل المستويات وبات من الصعب عليها تحديد المتبقي من مدة صلاحية صمودها امام الشروط والشروط المضادة.
من هنا فان "المعادلة الجديدة" التي يسعى الروس لطرحها حاليا تفرض على الاطراف المعنية بالصراع السوري تغيير اللعبة والالتزام بسقف محدد واحد من التنازلات يمكن من خلاله اخراج الازمة السورية الى الحل وفق خطة مرحلية. وبوادر ذلك انطلقت صفارتها من العاصمة الفلندية هلسنكي كنتيجة للقاء الذي جمع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي جاءت ترجمته في الجنوب السوري مع انسحاب القوات الايرانية وحلفائها بعيدا عن الجولان لمسافة تصل الى 85 كيلومترا داخل العمق السوري في ظل ما حكي عن وساطة روسية في هذا الاطار ادت الى تعهد العدو الاسرائيلي بالمقابل بعدم شن هجمات ضد اهداف ايرانية داخل الاراضي السورية وعدم ارسال شحنات سلاح جديدة الى حزب الله.
الشمال السوري نال نصيبه ايضا من المعادلة في ظل المعطيات التي تحدثت عن اجتماع عُقد بين "مجلس سوريا الديمقراطية" ومسؤولين من نظام الاسد في مكتب رئيس الامن القومي السوري علي مملوك حول صفقة كردية- سورية برعاية دولية تمنح الاكراد الادارة الذاتية المبطنة البعيدة عن تحكم مركز القرار دمشق. بالطبع التوجس التركي حيال ذلك أُخذ بالحسبان مع لجم الدب الروسي النظام السوري عن شن هجمات في "إدلب" تاركاً لتركيا وحلفائها الإخوان عبر مجموعاتهم مهمة تثبيت الاستقرار فيها. يأتي ذلك في ظل حديث عن رفض مجلس النواب الاميركي طرح فكرة تصنيف الاخوان المسلمين كمنظمة ارهابية على ما يشكل ذلك من انعكاس للسياسة الاميركية تجاه تلك المنظمة ومستقبلها.
لاشك هذا المشهد يؤشر على دخول سوريا في فترة حكم لامركزي تجريبي يخفي في باطنه بذور الفيدرالية بشكل يُحفظ فيه لكل طرف من الاطراف المؤثرة موطىء قدم "ضامن" له تجاه اي تحرك يتجاوز خطوط التماس التي تسعى موسكو لتثبيتها سيما بعد ان اختمرت تجربتها في سوريا حد تمكنها من امتلاك القدرة على تحريك جغرافيتها والاطراف اللاعبة في ميدانها وادوات نظامها والتي يبدو ان وجه "علي مملوك" بدأ يطفو على سطح ملفاتها التي تديرها انطلاقا من ملف عودة اللاجئين السوريين وغيره من الملفات والذي ربما قد لا تنته مهمته لديها عند هذا الحد فقد يكون ما يخاط له ابعد من ادارة ملف الى امكانية ما قد يدفع به الى قيادة انقلاب او شق لصفوف النظام اذا ما دعت الحاجة.
(ميرفت ملحم - محام بالاستئناف)