Advertisement

لبنان

أزمة رئاسية أم أزمة نظام؟

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
11-05-2023 | 02:00
A-
A+
Doc-P-1065550-638193925589902475.jpg
Doc-P-1065550-638193925589902475.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
الفراغ الرئاسي، كما الفراغات الأخرى، لن تكون الأولى ولا الأخيرة. هي تتجدّد عند كل استحقاق. وفي كل مرّة يصل فيها اللبنانيون إلى مفرق طرق نراهم يعيشون التجربة إياها التي سبق أن عاشوها قبل سنوات. وما دام الحديث يشمل بالتحديد هذه الأيام الاستحقاق الرئاسي قد يكون من المفيد التذكير بأن لبنان يعيش هذا الفراغ منذ زمن بعيد حتى مع وجود رئيس للجمهورية، لأن الفراغ بمفهومه التعطيلي لم يبدأ مع نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ولن ينتهي بانتخاب رئيس جديد لجمهورية يرى كثيرون من المحللين السياسيين أن أمور هذه الجمهورية لن تستطيع أن تكمّل كما كانت عليه الحال منذ ما قبل الطائف ومعه وبعده. 
Advertisement
وعندما نتحدّث عن المسار التعطيلي الممنهج للعمل المؤسساتي لا يسعنا إلاّ أن نتذكرّ ما كان يقوله المثلث الرحمات البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير عن العربة التي يشدّها حصانان في اتجاهين معاكسين، أو أن توضع العربة قبل الأحصنة. فمع هكذا منطق سائد منذ ما قبل اتفاق الطائف، وبالتحديد مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتسّلم العماد ميشال عون رئاسة الحكومة الانتقالية التي قيل يومها إنها مؤقتة، مع ما رافق تلك الفترة من أزمات سياسية عميقة بين المكونات السياسية في البلد، فضلًا عمّا تركته سنوات الحرب المشؤومة من افرازات سياسية غير صحّية، وهي التي أدّت بالممارسة وبعدم الجرأة في تحمّل المسؤولية إلى الوضع الكارثي، الذي يعيشه اللبنانيون اليوم. 
فالفراغ الرئاسي يبقى تفصيلًا إذا ما قيس بالفراغات الأخرى التي تعيشها البلاد على كل المستويات، وقد يكون أهمها تفريغ الإرادة الوطنية من مقومات الصمود والبقاء والاستمرار، وذلك بعد ممارسة سياسة خفيّة قائمة على دفع اللبنانيين إلى الاستسلام والتسليم بما يُرسم ويُخطّط لهم في الغرف السوداء، والتي يعمل فيها جميع الذين لا يريدون لهذه الإرادة الوطنية الجامعة إكمال مسيرة بناء وطن هو حصرم في عيون الكثير من الحسّاد، الذين تزعجهم فكرة العيش المشترك، التي تميّز لبنان عن سائر الدول، على رغم ما اعترى هذه الصيغة من تشوهات كان معظمها بسبب التدخلات الخارجية.   
فإذا لم يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم فسيُنتخب حتمًا يوم غد أو بعده، أي بمعنى أن الفراغ الرئاسي مهما طال ستكون له نهايات حتمية وقدرية، وهذا أمر مسلّم به ولا جدال حوله. ولكن هل يعتقد أصحاب الشأن أن الفراغ الشامل، الذي تعيشه البلاد بكل تفاصيله سينتهي بمجرد أن يُنتخب هذا الرئيس من هذا المحور، أو ذاك المرشح من محور الضفة المقابلة؟ هل يمكن أن ننسى أننا مررنا بالتجربة نفسها عندما تقرّر أن يُترك لبنان في حال من الفراغ الرئاسي طيلة سنتين ونصف السنة، والذي انتهى بانتخاب الرئيس عون، ولكن الذي أراد للبنانيين أن يعيشوا الفراغ الرئاسي قرّر من جديد، أن يدخلهم في حال من الفراغ الدائم والشامل، في الذهنية التي تدير البلاد كما أدارتها على مدى سنوات طويلة، وفي السياسة حيث يسود منطق تقطيع "جبنة الحكم" وتقاسمها حصصًا بالتساوي، وفي الاقتصاد حيث سُرقت أموال الناس وجنى عمرهم، وفي التخطيط الذي لم يرَ يومًا النور، وفي القضاء حيث تسود الفوضى والاستنسابية والكيدية في مقاربة الملفات العدلية، وفي الإدارات العامة حيث يعمّ الفساد والمحسوبية و"السمسرات" والفضائح.   
فهل يجوز بعد كل هذا أن نحصر الفراغ برئاسة الجمهورية فقط، وهل من المنطق أن تكون المعالجات، إذا وجدت، مقتصرة على البحث في كيفية سدّ هذا الفراغ بأسماء تُطرح من هنا وهناك، فيما الحقيقة أن الأزمة هي أبعد بكثير من تلك الأسماء، التي لن تستطيع أن تقدّم وتؤخّر في شيء إن لم تصحبها إصلاحات بنيوية جذرية في طريقة مقاربة القضايا الوطنية أولًا، ومن ثم الانصراف توازيًا إلى معالجة الخلل المتغلغل في كل مفاصل التركيبة الهجينة والهشّة للنظام الطائفي القائم عليه البلد منذ نشأة "لبنان الكبير". 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك