مع استمرار الاحتجاجات في كل أنحاء سوريا بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد، والتي يطالب في خلالها المتظاهرون بإقالة الرئيس السوري بشار الأسد، وصلت قيمة الليرة السورية إلى أدنى مستوى لها في السوق الموازية.
وبحسب موقع "Middle East Eye" البريطاني، "انخفضت الليرة السورية إلى نحو 13800 ليرة في مقابل الدولار الأميركي الواحد. وبحسب البنك المركزي في البلاد، فإن سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد بلغ 10700 ليرة اعتبارًا من يوم الجمعة 25 آب. فمنذ أن تجاوزت 9000 ليرة مقابل الدولار في 11 أيار، ظلت قيمة الليرة في حالة انخفاض حر منذ أشهر، ويأتي الانخفاض الأخير بعد أن فقدت الليرة السورية حوالي 30 في المئة من قيمتها خلال فترة شهرين في تموز.
إذن ما هو الأسباب وراء انخفاض الليرة السورية المستمر؟"
وتابع الموقع، "قال حسين شكر، محلل السياسات والاقتصاد السياسي في سوريا ولبنان: "إن انخفاض قيمة العملة السورية كان نتيجة لدورة الركود التضخمي المستمرة التي تجتاح اقتصاد البلاد". وأضاف: "تظهر هذه الدورة عندما يتزامن التضخم المتفشي مع الركود الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة". وتابع قائلاً: "في الوقت الحالي، فإن فهم الأصل الدقيق لهذه المحنة الاقتصادية يشكل تحديًا كبيرًا، لا سيما بالنظر إلى الحالة السورية، فهو معقد بشكل فريد بسبب التقارب الطويل بين المتغيرات الاقتصادية والنقدية والسياسية". ووفقاً لشكر، هناك العديد من العوامل المحلية والدولية المؤثرة: العقوبات الدولية الثقيلة، حالات الفقر التي تفاقمت بسبب الأضرار التي خلفها زلزال شباط، كما ساهم الارتفاع السريع في أسعار الوقود وعوامل أخرى في هبوط الليرة".
عدم الاستقرار الداخلي
بحسب الموقع، "وقال شكر إن المخاوف داخل السوق المحلية، والتي يغذيها انخفاض قيمة الليرة، قد أوقعت العملة في حلقة مفرغة من الانخفاض والتضخم. وأضاف: "من المؤسف أن البنك المركزي لا يمتلك سوى أدوات محدودة لمعالجة هذا الهلع المتصاعد. وتفاقمت الأمور مع تصاعد المناقشات بشأن خفض الدعم للسلع الأساسية، وخاصة الوقود، مما أثر بالتالي على أسعار المواد المرتبطة بمشتقات الوقود عبر سلسلة الإنتاج". وقال شكر إن خسارة الحكومة السورية لمناطقها المنتجة للنفط في شمال شرق البلاد، و"عجزها عن الإشراف على احتياطاتها من النفط والغاز والاستفادة منها كوسيلة لتعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية، قد أدى إلى تفاقم الانهيار المالي في البلاد"، مضيفاً "خاصة أن الاحتياطات تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد والقوات الأميركية". وتابع قائلاً: "إن السياسات المتعارضة والمتضاربة أحيانًا التي اعتمدها مجلس النقد والائتمان، إلى جانب سياسات وأنظمة وزارة المالية، لم تنجح في حل المشكلة، إن لم تساهم في تفاقمها"."
العقوبات الدولية
وبحسب الموقع، "منذ اندلاع الثورة المناهضة للأسد في سوريا عام 2011 والتي تحولت فيما بعد إلى صراع مسلح، فرض المجتمع الدولي عقوبات صارمة على الحكومة السورية، واستهدف البعض منها القطاع المصرفي. ويقول شكر: "لقد شكلت العقوبات الأحادية ضغوطاً على الاقتصاد السوري، مما أعاق قدرته على الوصول إلى السوق الدولية". وأضاف أن ذلك يعيق تنمية الصادرات السورية وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق المحلية".
ورأى الموقع أن "العقوبات الدولية لم تكن وحدها هي التي أثرت على الاقتصاد السوري. فقد أدت الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا في 6 شباط إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا وأثارت جدلاً حول العقوبات الدولية التي تعيق إيصال الإغاثة الإنسانية والمساعدات إلى سوريا. وتسبب الزلزال في أضرار مادية مباشرة تقدر بنحو 5.1 مليار دولار في سوريا، وفقا لتقرير التقييم العالمي السريع الصادر عن البنك الدولي. كما وتسبب في انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 5.5% في عام 2023 بسبب تعطيل النشاط التجاري الذي أحدثه الزلزال، وتدمير رأس المال المادي، والارتفاع اللاحق في التضخم الناتج عن زيادة الطلب على مواد إعادة الإعمار، ونقص الوقود، وانخفاض السلع، وزيادة تكاليف النقل، بحسب البنك الدولي".
الأزمة المالية اللبنانية
بحسب الموقع، "وساهمت الأزمة المالية في لبنان المجاور في انخفاض قيمة الليرة السورية، وقد ظهر التأثير بشكل ملموس في تشرين الأول 2019، عندما توقفت المصارف اللبنانية عن السماح لعملائها، والعديد منهم من الجنسية السورية، بسحب أو شراء الدولار الأميركي. من بين أكثر من مليون سوري يعيشون في لبنان، تعتمد الأغلبية منهم على النقد في كل شيء حيث لا يُسمح لهم بفتح حسابات مصرفية. ويقول شكر: "كان الاقتصاد اللبناني في السابق بمثابة المورد الرئيسي للعملة الأجنبية للسوق السورية. إن انخفاض المعروض من العملات الأجنبية من لبنان، إلى جانب الارتفاع المستمر في الطلب على الدولار الأميركي، أدى إلى حدوث اضطراب كبير في سوق العملات الأجنبية"."
وتابع الموقع، "منذ العام 2011، بقيت روسيا الحليف الأكثر ثباتًا للحكومة السورية، وفي عام 2015، تدخلت لإبقاء الأسد في السلطة. في المقابل، حظي الغزو الروسي لأوكرانيا بدعم من حكومة الأسد، حيث ذهب التحالف إلى حد أن دعوة روسيا للمتطوعين للقتال إلى جانب جيشها أدت إلى حملة تجنيد في سوريا، وفقًا لتحقيق أجراه الموقع. وقال شكر إن الحرب الروسية الأوكرانية "أعاقت الدعم المالي الذي تقدمه موسكو لدمشق". وتسببت الحرب الطويلة في أوكرانيا في ارتفاع أسعار القمح، وهو مستورد أساسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وارتفعت الأسعار في تموز بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب الأوكرانية".
وأضاف الموقع، "يمكن للحرب أن تدفع أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع، مما يؤدي إلى تآكل مكانة سوريا كمستورد للغذاء والطاقة، وفقا للبنك الدولي. وفي نهاية المطاف، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تآكل الاقتصاد السوري. ويقول شكر عن تأثير الحرب على الليرة السورية: "لقد أدى الصراع إلى تعطيل سوق المواد الغذائية العالمية، مما زاد من حدة الضغوط التضخمية داخل السوق السورية الهشة والحساسة بالفعل". وبحسب شكر، الواقع هو أن قدرة الحكومة السورية على المعالجة الفعالة للعوامل المحلية والدولية التي تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة "مقيدة بشدة". وقال: "تقتصر أدوات الحكومة على محاولة الحد من انخفاض قيمة العملة من خلال تجميع المزيد من العملات الأجنبية وتعطيل سلسلة التوريد في السوق الموازية غير القانونية"."
وبحسب الموقع، "مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد 11 عامًا من تعليق عضويتها، دعمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الجهود الهادفة إلى تطبيع العلاقات مع الأسد. وساهمت هذه الخطوة بمنح نوع من التفاؤل بشأن بعض الانفراج الاقتصادي، إلا أن الليرة لا تزال في حالة ركود. وقال شكر: "إن عدم القدرة على التوصل إلى إجماع واتفاق بشأن المصالح والاحتياجات والمطالب بين أصحاب المصلحة المعنيين قد أصاب الحكومة السورية بالإحباط"."