أطلق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خطة للسلام في محاولة منه لمنع الحرب الدائرة في غزة من الوصول إلى الداخل اللبناني. وقام ميقاتي بجولة في عواصم المنطقة وتحدث إلى دبلوماسيين وسياسيين غربيين في محاولة لإقناعهم بإيجاد سبل تجنّب تصعيد العنف.
يريد ميقاتي تحديداً منع حزب الله من الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل وبالتالي إشعال حريق إقليمي. ويقول ميقاتي من مكتبه في بيروت: "أمارس كل الضغوط الممكنة محلياً وإقليمياً ودولياً لمنع الحرب".
وفي حديث مع مجلة "The Economist" البريطانية حدد ميقاتي خطته الهيكلية المؤلفة من ثلاث نقاط، أولاً، هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، في خلالها ستطلق حماس سراح بعض رهائنها، خاصة المدنيين والأجانب، في حين ستوقف إسرائيل إطلاق النار وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما ويتعين على حماس التوقف عن إطلاق الصواريخ. إذا نجحت النقطة الأولى، حينها يمكن الانتقال إلى النقطة الثانية والتي لن تكون مؤقتة، فبمساعدة الوسطاء، تستطيع إسرائيل وحماس أيضاً التفاوض على مبادلة الأسرى بالرهائن. حينها، يمكن للزعماء الغربيين والإقليميين تطبيق النقطة الثالثة والمتمثلة بعقد مؤتمر سلام دولي للتوصل إلى تسوية تقوم على حل الدولتين. وهنا قال ميقاتي: "سنأخذ في الاعتبار حق إسرائيل وحق الفلسطينيين. لقد حان الوقت لجعل السلام ممكنا في المنطقة بأكملها".
ورأت المجلة في مقالها أنه "مع احتدام حدة الحرب في كل أنحاء الشرق الأوسط، فإن العديد من العرب سوف يتراجعون عن اعتراف ميقاتي الضمني بالدولة اليهودية، لكن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها زعيم عربي خطة سلام في الحرب. ففي ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أطلق عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي الذي أصبح فيما بعد ملكاً، مبادرة السلام العربية، والتي جاء فيها إمكانية التطبيع الكامل للعلاقات العربية مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها الأخيرة منذ فوزها في حرب عام 1967. وبالفعل، لقد أيّد القادة العرب هذه الخطة في قمة بيروت عام 2002".
وبحسب المجلة، "تذهب خطة ميقاتي إلى أبعد من ذلك من خلال دعوة إيران، المنسق الرئيسي لما يسميه "محور المقاومة" لإسرائيل، إلى المشاركة بالمؤتمر. وشدد ميقاتي على أن "الإيرانيين سيكونون جزءا من السلام الشامل".
وكان ميقاتي من بين أوائل من التقوا بوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في الأيام الأولى من الحرب الحالية في غزة، كما وأن حزب الله مشارك في الحكومة التي يترأسها ميقاتي. وأضاف قائلاً: "إذا توصلنا إلى اتفاق بشأن السلام الدولي والشامل، فأنا متأكد من أن حزب الله وحماس سيتوقفان عن المشاركة في الصراع"."
ونقلت المجلة عن أحد المقربين من ميقاتي قوله إن علاقاته مع الغرب والخليج وإيران تجعله في وضع جيد لتنفيذ خطة شاملة، مضيفاً أن ميقاتي ناقش الأمر مع وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ولم تُواجَه خطته بالرفض من قبل هذه الدول.
وقام ميقاتي، في 29 تشرين الأول، بزيارة قطر لمناقشة خطته مع زعيم الدولة الخليجية، تميم بن حمد الثاني، والذي كان يقود محادثات دبلوماسية واسعة، خاصة وأن قطر استضافت أيضاً ديفيد بارنيا، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)".
ورأت المجلة أن "إحدى العقبات التي تواجه ميقاتي هي افتقاره للنفوذ، فهو يرأس حكومة دولة محطمة ومفلسة، كما وأن لبنان بلا رئيس للجمهورية وقوة جيشه لا تضاهي قوة عناصر حزب الله، أضف إلى ذلك أن ارتفاع عدد القتلى بين الفلسطينيين في غزة يؤدي أيضاً إلى تقليص احتمالات السلام المباشرة. وفي الواقع، ناشدت حماس حزب الله فتح جبهة ثانية، وتشهد الحدود الجنوبية منذ عدة أسابيع إطلاقاً للنار بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، مما أدى إلى مقتل حوالى 50 من مقاتلي حزب الله وسبعة جنود إسرائيليين. وأطلق الحزب الصواريخ بشكل رئيسي على أهداف عسكرية، وامتنع عن إطلاق النار على المدن الشمالية في إسرائيل مثل حيفا أو صفد. في غضون ذلك، يخشى العديد من اللبنانيين من أن يقوم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتوسيع رقعة الصراع وذلك في خطابه المنتظر نهار الجمعة".
وبحسب المجلة، "يدعو بعض المؤيدين لميقاتي من المسلمين السنّة إلى القيام بعمل عسكري لدعم حماس. ففي الأيام الأخيرة، طلب الجناح المسلح للجماعة الإسلامية من أنصاره أن يحشدوا قواتهم إلى جانب حزب الله على الحدود مع إسرائيل. ووفقاً لدراسة استقصائية لبنانية حديثة، فإن ثلث السُنّة في لبنان، ونصف الشيعة (ولكن 13% فقط من المسيحيين)، يؤيدون الدخول بحرب مع إسرائيل. ومع ذلك، لا يزال معظم اللبنانيين يخشون الانجرار مرة أخرى إلى حرب أخرى من الحروب العربية الإسرائيلية التي أصابت لبنان بالشلل. لقد تم تدمير جزء كبير من الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت عندما خاض حزب الله آخر حرب ضد إسرائيل في عام 2006".
وختمت المجلة، "إن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن تجلب الراحة للخصمين الرئيسيين فحسب، كما يقول ميقاتي، بل للدول المجاورة أيضا. وعلى حد تعبيره: "كفى حروباً إلى الأبد".