انطلقت اليوم الانتخابات النيابيّة، التي تُعتبر بحسب أبرز المشاركين فيها مصيريّة، ومن أخطر الاستحقاقات في تاريخ
لبنان. فمن خلالها سيتحدّد رئيس الجمهوريّة المقبل، بالاضافة إلى رئيس مجلس النواب، وشكل الحكومة. وفيها، يُعوّل فريق الثامن من آذار، وعلى رأسه "حزب الله" على الفوز بالاكثريّة النيابيّة. في المقابل، ينتظر الجميع كلمة الشارع السنّي في صناديق الاقتراع، وما يُمكن للاحزاب المسيحّية المعارضة، والحزب "التقدميّ الاشتراكيّ" تحقيقه. والاهمّ كم ستكون حصة المجتمع المدنيّ في مجلس النواب؟
وقبل الدخول في فترة الصمت الانتخابيّ، زادت خطابات التجييش، التي هدف من خلالها رؤساء الاحزاب إلى حثّ مناصريهم على المشاركة بكثافة. وبدا لافتاً تحدّث الامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، ثلاثة مرّات، بأقلّ من خمسة أيّام، للتشديد على أهميّة الانتخابات. كذلك، دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي، جمهور "الثنائيّ الشيعيّ" لزيادة نسب الاقتراع. فهناك خوفٌ بحسب مراقبين من مفاجأة قوّاتية في بعلبك – الهرمل، بالاضافة إلى صحوة سنّية، سترتد على خرق لائحة "الثنائيّ" بمقعدين. وأيضاً، هناك خشيّة، من أنّ تُشكّل لائحة المجتمع المدنيّ مفاجأة، إمّا في دائرة الجنوب الثانيّة، وإمّا في الثالثة.
وفي الاطار عينه، الانظار كلّها تتّجه إلى دائرة بيروت الثانيّة، وما يُمكن أنّ تُحقّقه من حواصل للائحة التي يدعمها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. فقد ردّت دار الفتوى، كذلك، المشايخ السنّة خلال خطب الجمعة الماضيّة، بسرعة على نصرالله، في مشهدٍ وصفه مراقبون بأنّه الفرصة الاخيرة والاقوى تأثيراً على الناخب السنّي. وأيضاً، كانت كلمة السنيورة ناريّة، وتوجّه بها لجمهور "المستقبل"، وخلفه صورة تجمعه بالرئيس الشهيد رفيق
الحريري لتذكيرهم بكلّ الاستحقاقات التي خاضوها منذ إغتيال الرئيس
الحريري، وحرب تموز 2006، وأحداث 7 أيّار والتشديد على "خطر" سلاح "حزب الله" و"السيطرة الايرانيّة على لبنان" التي ستتوسع أكثر إذا عزف السنّة عن المشاركة في الانتخابات، وتركوا مقاعد "المستقبل" في بيروت لـ"الحزب". في المقابل، بقيت أبرز "الهاشتاغات" التي غزت مواقع التواصل الاجتماعيّ، ومنها "لعيونك مقاطعة"، خير دليلٍ على تمسّك شريحة كبيرة من مؤيّدي "المستقبل" بقرار رئيسهم.
ولم يكن فقط السنيورة من ركّز على "حزب الله" خلال الايّام الماضيّة، بل استمر حلفاؤه المسيحيّون السابقون في 14 آذار بالتصويب على سلاح "الحزب". وقد صعّدوا كثيرا في هذا الملف، وصولا إلى وضعه في أوّل فرصة على طاولة النقاش بعد الانتخابات. وقد انطلق رئيس حزب "الكتائب" النائب المستقيل سامي الجميّل، كذلك، رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع، لتنبيه الناخبين من مخاطر السلاح، وكون "حزب الله" شريكا أساسيا لـ"التيّار الوطنيّ الحرّ"، في ما وصل إليه
لبنان، بعد 17 تشرين الاوّل 2019. ولم تخل مخاطبة الجميّل وجعجع كما السنيورة للناخب الشيعيّ، الداعم لـ"الثنائيّ"، ودعوته في أكثر من مناسبة لتحكيم خياراته السياسيّة في يوم الانتخابات.
في السيّاق، وأيضاً مسيحيّاً، رفع النائب جبران باسيل من سقف خطاباته ضدّ "القوّات". واتّهم من ينتخب مرشّحيها بأنّهم يقترعون لـ"داعش" ولـ"إسرائيل" بحسب قوله. فقد لاقى بحسب مراقبين حليفه نصرالله في طريقة خطاباته، واعتمد مبدأ التخوين. ويرى المراقبون أنّ مقابلة باسيل الاخيرة، كانت سقطة له، عرضتّه للكثير من الانتقادات. فقال إنّه لا يُمانع أنّ يكون هناك من سلام في المستقبل، بين لبنان وإسرائيل.
الامر الذي يُناقض ما يتكلّم به، والاتّهامات التي يسوقها بوجه خصومه. ولم يكتفِ باسيل بهذا
الامر، بل تعدّاه، ومعه رئيس الجمهوريّة
ميشال عون، وركّزا على الرشاوى الانتخابيّة، متّهمين "القوّات" و"الكتائب" بتوزيع الاموال على الناخبين، لإسقاط أوّلاً، باسيل في البترون، وثانيّاً، التفوّق على مرشّحي "الوطنيّ الحرّ" في الدوائر الباقيّة.
أمّا المجتمع المدنيّ، فكان يعمل على سحب البعض من لوائحه، لتعزيز فوز مرشّحيه في بيروت الثانيّة ودائرة عكار. كذلك، شهدت الايّام الماضيّة، إنسحاب مرشّحين من قوى "الثورة"، لصالح زملائهم في لوائح أخرى، لزيادة فرصهم في خرق مقاعد أحزاب السلطة المتحالفة في ما بينها. ويبقى التعويل الكبير لقوى المجتمع المدنيّ، في أنّ تكون خيارات الناخبين اليوم، مماثلة لتلك لدى المغتربين، الذين أبدو حماسة كبيرة في 6 و8 أيّار المنصرمين، بمساعدة لبنان وشعبه، عبر الاقتراع لوجوهٍ جديدة، قادرة على نقل البلاد من الهيمنة الطائفيّة السياسيّة، إلى بلد مزدهر، وإقتصاده معافى.
وعليه، يبقى على الناخب أنّ يختار بين الخطابات التي جرى ذكرها أعلاه، والتي كانت مسيطرة على المشهد الاعلاميّ والانتخابيّ قبل 14 أيّار، موعد الصمت الاخير. فلبنان يعتمد على صوته المصيريّ اليوم، وما ستُفرزه صناديق الاقتراع عند منتصف الليل. فلمن سيُعطي اللبنانيّون أصواتهم؟