كتبت "الأخبار": كان من المفترض في مثل هذه الأيام، أن يباشر المزارعون حراثة حقولهم الزراعية وزراعتها بالحبوب وغيرها من الزراعات الشتوية، أو تركها على حراثتها الأولى لتتشبّع بمياه الأمطار قبل حراثتها للمرة الثانية في بداية فصل الربيع، تمهيداً لزراعتها بشتول التبغ أو الصحاري. لكن ما هو واضح حتى اليوم أنّ غالبية الحقول لا تزال مهملة، تغزوها الأعشاب.
ويؤكد المدرّس أحمد حيدر، الذي اضطرّ منذ بدء الأزمة إلى العمل في الزراعة، هذه الملاحظة، بما أنّه هو نفسه قرّر ترك مهنته الجديدة «لأن كلفة الزراعة باتت مرتفعة جداً ولا تحقق أيّ ربح». ويشكو «حرمان الأهالي من مياه الريّ، ما جعل معظم المزارعين يستغنون عن ريّ مزروعاتهم الصيفية، ويفضلون يباسها على دفع بدلات شراء المياه المرتفعة جداً». ويتفق معظم المزارعين على أنّ ارتفاع أسعار المازوت وكلفة الزراعة، إضافة إلى انقطاع المياه بشكل مستمرّ، كلّها عوامل أدّت إلى توقف عشرات المزارعين عن حراثة حقولهم، والبحث عن أعمال بديلة.
ويقول وجدي الأمين، صاحب مشتل زراعي في وادي السلوقي، إنه توقف أخيراً، وللمرة الأولى منذ عدة سنوات، عن بيع شتول الخُضر «بسبب تراجع عدد الزبائن وارتفاع كلفتها، مثلها مثل كلّ أنواع الزراعات التي تراجعت مبيعاتها عن معدّلها السنوي». لكنه يلفت في المقابل إلى أن «معظم الزبائن باتوا يشترون شتول أشجار الزيتون والخروب، بعدما حقّق موسم الزيتون لهذا العام فوائد مالية كبيرة، كذلك الحال بالنسبة إلى موسم الخروب، الذي ارتفع ثمن ثماره نسبياً بعدما ازداد الطلب عليه من الخارج، مع تدني قيمة العملة اللبنانية نسبة إلى الدولار، ما شجّع التجار الأجانب على شرائه، كما شجّع المزارعين اللبنانيين على زراعته».
ويشكو الناطق باسم تجمّع مزارعي التبغ خليل ذيب من «ارتفاع كلفة بدل فلاحة الأرض، وكلفة المواد التي يحتاج إليها المزارعون، ما أدّى إلى توقف عشرات المزارعين عن فلاحة أراضيهم». ويكشف بالأرقام أنّ «عدد مزارعي التبغ تراجع في العام الماضي بنسبة 72%، ولدينا إحصاءات تؤكد أن عدد الأراضي المزروعة لم يصل في العام الماضي إلى 28%، وتراجع معه الإنتاج من 6000 طن إلى 900 طن، وكلّ ذلك كان بسبب البدل المالي المنخفض جداً الذي كانت تدفعه مؤسسة الريجي، والذي لم يكن يزيد على 40.000 ليرة عن كل كيلو تبغ».
ويؤكد على أن «ما هو واضح، ورغم رفع بدل كيلو التبغ أخيراً إلى 5 دولارات ونصف دولار، أنّ أعداد مزارعي التبغ لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً، وكذلك أعداد المزارعين بشكل عام، بدليل أن غالبية الحقول لم تُحرث بعد، وهذا إنذار لا يبشر بمواسم زراعية قادمة». ويلفت ذيب الى أن «بدل شراء التبغ الجديد المقرّر من الريجي هو أقل بثلاثة دولارات عن ما كان عليه قبل الأزمة، رغم أن غالبية أسعار المواد التي يحتاج إليها المزارع تضاعفت بالدولار الأميركي».
وهذا ما يؤكده مصطفى مواسي (عيترون)، عندما أشار الى أن «مزارعي البلدة خفّضوا نسبة زراعاتهم من التبغ إلى ما يزيد على 80%، ولم يحرث أرضه إلا من لم يجد بديلاً يعتاش منه. هؤلاء سيعمدون إلى زراعة ما يحتاجون إليه لسد حاجاتهم الأساسية».
ويعتبر مسؤول المركز الزراعي، التابع لوزارة الزراعة، في منطقة مرجعيون فؤاد ونسة أن «كلفة فلاحة الأرض باتت الحاجز الأول الذي يمنع المزارعين من زراعة أراضيهم، لذلك بات على البلديات أن تخفّف من أعباء هذه الكلفة من خلال التواصل مع أصحاب التعاونيات الزراعية للحصول على تسعيرة فلاحة مخفّضة تساهم في تشجيع المزارعين على فلاحة أراضيهم، لأن من يريد زراعة 10 دونمات من القمح عليه أن يدفع حوالي 4 ملايين ليرة بدل فلاحة الأرض، ومبلغاً مشابهاً بدل الحبوب، إضافة إلى بدلات الأسمدة وغيرها، علماً أن وزارة الزراعة طلبت من أصحاب الأراضي تسجيل أسمائهم في مراكز وزارة الزراعة كي يتم تأمين القمح لهم بأسعار مخفّضة».
يُذكر أنّ في مناطق بنت جبيل مرجعيون وحاصبيا عشرات التعاونيات الزراعية، التي استفادت من تقديمات مختلفة من الدولة والجهات المانحة، منها الآلات الزراعية المختلفة ومعاصر الزيتون وغيرها، لكن من يستفيد منها هم أشخاص أو أسر محدّدة، ولم تجر مراقبة خدماتها من قبل الأجهزة الرسمية المعنية. ويلفت ونسة إلى أنه «يجب على هذه التعاونيات أن تستخدم آلاتها الزراعية لفلاحة أراضي المزارعين بأسعار مخفّضة، ويجب على البلديات أن تتابع هذه المهمة».
ويسود بين عشرات المزارعين حديث عن «اختفاء مئات القسائم المالية التي تبلغ قيمة كل منها 300 دولار أميركي، كان قد صدر القرار بتوزيعها على مزارعين محدّدين بالأسماء، في سياق تنفيذ "مشروع قسائم المداخيل الزراعية"، المموّل من البنك الدولي والسفارتين اليابانية والكندية، ومنظمة الفاو. والذي يهدف إلى توزيع قسائم مالية على أكثر من 30 ألف مواطن لبناني من صغار المزارعين».
وبحسب مصدر متابع في منطقة مرجعيون، فإنه «قبل 5 أشهر تم تأمين الدفعة الأولى من المبلغ المقرّر دفعه إلى 400 مزارع في مرجعيون، وبقي 407 مزارعين لم تصلهم الأموال، رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على صدور قسائمهم من السفارة الكندية، ورغم متابعة المعنيين في المركز الزراعي فإن المسؤول عن توزيع القسائم ادّعى بأن لا علاقة له بالأمر». يُذكر أن القسائم لم توزّع أيضاً على 400 مزارع في منطقة حاصبيا، رغم الموافقة على أسمائهم وتبيلغهم بذلك. ويذكر المصدر أن «معلومات تشير إلى أنّ بعض النافذين حوّلوا القسائمَ إلى أسماء أشخاص من غير الذين تمت الموافقة عليهم».