هي السنة العشرين على التوالي التي يعتلي فيها القيصر خشبة مسرح بيت الدين ليحيل المكان والزمان إلى مشهدية سحر، فيها من الرومانسية الراقية الحالمة ما يشبه تلك الشرفات الوردية في قصر بيت الدين، وقد توهّجت بالإنارة الحمراء تارة والبنفسجية تارة أخرى.
على المدرجات تنتظر آلآف النساء وعشرات الرجال إنطلاق الإحتفالية التي تأخّرت بفعل كثافة الحضور، أوركسترا ضخمة أرادها الساهر في افتتاح ليلته الأولى، أكثر من مئة عازف وعازفة بقيادة ميشال فاضل ، وما أن اعتلى كاظم الساهر المنبر حتّى علا التصفيق. أحسن معبود النساء إختيار أغنيته الأولى "رائع رائع رائع عيد العشاق" مناسبة تمامًا لتحاكي تعطّش جمهوره لفنّه وحضوره ورقيّه.
على مدى ساعتين متواصلتين ومن دون استراحة أشعل الساهر حماسة الحضور ونقلهم إلى عالم آخر، فيه من ثلاثية الأداء والمفردات واللحن، ما يفيض جمالية وعشقًا أتقن القيصر تجسيدها حدّ الإبهار، فعلى صراخ الحاضرات، وأحداهنّ تمكنت من اقتحام المسرح راكضة باتجاه القيصر بينما كان منسجمًا ينشد "مبحر في زمن الحب"، العناصر المولجة بالأمن تصدّت لها ولكنّ القيصر أوقف أغنيته ملتفتًا نحوها قائلًا "اتركوها"، فكان لها ما أرادت والتقطت صورة إلى جانبه وحظيت بغمرة، فعلى صراخ الحاضرات وطالبن بالمثل، ولدى عودته لإستكمال الأغنية علّق الساهر مبتسمًا "والله أرعبتني".
غنّى باقة من أغنياته ولم يبخل بتلبية ما طلبته نساء حفله، كما غنّى أغنيته الجديدة" متمردة متمردة، وأحبها متمردة، فهي اختيار القلب وهي حياته، والعمر لو يُهدى أهديته لها". هدية الساهر هذه لجمهوره هي من ألحانه وكلمات الشاعر كريم العراقي وتوزيع ميشال فاضل. والحضور يتفاعل مصفّقًا ومتحوّلًا إلى كورال في معظم أغانيه بحيث ردّدها معه، فيما الساهر يبادل جمهوره بابتسامة خجولة، ويرسم بيديه إشارة قلب كانت كافية لإشعال المدرجات. أمّا اللواتي وصلن إلى حيث المسرح واحتشدن أمامه طمعًا بسلام وصورة، فكان لهنّ ما أردن وحرص الساهر على مصافحة تلك الأيادي التي رُفعت .
غريب أمر القيصر الذي كلّل بيت الدين عرشًا للرومانسية على مدى عشرين عامًا، فسحره لا يخفت وعشق جمهوره له في تزايد. وعن رقيّه في التعامل خلف الكواليس تتحدث رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين السيدة نورا جنبلاط، فالساهر لا يحتفي بعشرينيته فحسب بل بأمسيات مدّدت إلى ثلاث هذا العام ونفذت بطاقاتها، والسرّ يكمن في سحر القيصر والقصر وتفاعل جمهوره، هذه الثلاثية هي سرّ هذا النجاح الإستثنائي" تقول جنبلاط التي أثبتت مدى عراقة هذه المهرجانات في عامها الخامس والثلاثين، ليس في حسن التنظيم فحسب بل من خلال المستوى والتنوع الثقافي الفني الفريد.
أبرز الأغاني التي اختارها القيصر لإحتفالية بيت الدين في أمسيته الأولى: "ها حبيبي .. مين زعلك"، أحبيني بلا عقد"، "كوني امرأة خطرة"، "لجسمك عطر خطير النوايا"، "هذا اللون عليك يجنن"، "هل عندك شك"، "أغازلك عصبًا عنك" " كتاب الحب"، " حافية القدمين"، "ما بين حب وحب أحبك أنتِ"، "قولي أحبك"، "عيد وحب هاي الليلة الناس معيدين"، فعلًا هذه الليلة الناس عيدت بفنّك برقيّك بسحرك قيصر زماننا.