عانت سوريا طيلة 13عاما ولا تزال من أزمة اقتصادية خطيرة وكبيرة فغرقت البلاد في كساد اقتصادي من جراء انخفاض قيمة العملة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع مستويات التضخم، واستمرار تشديد العقوبات على النظام السابق. وقال البنك الدولي في تقارير أصدرها هذا العام أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا تأزمت نتيجة استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.وأشار تقرير البنك الدولي إلى أنه في عام 2022، طال الفقر 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري.ووفقا للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50% من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر
مع سقوط النظام في سوريا، تجد البلاد نفسها أمام منعطف تاريخي يُلقي بثقله على المشهد الاقتصادي، الذي شهد انهياراً حاداً خلال سنوات الحرب السابقة .
تحديات متراكمة وتركة ثقيلة خلفها النظام السابق تنتظر حلولاً جذرية، وأولويات جديدة يجب أن تتصدر الأجندة الوطنية لإعادة إعمار البلاد وإنقاذ الاقتصاد من أزماته الخانقة.
في التحديات الاقتصادية يقول الباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية عدي سلطان، أن الحرب المستمرة لعقد من الزمن أدت إلى تدمير معظم البنية التحتية في سوريا. تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 70% من الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات تعرضت للدمار الجزئي أو الكلي، ما يجعل إعادة الإعمار تتطلب استثمارات تتجاوز 400 مليار دولار.
على الجانب الآخر، فقدت الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها أمام الدولار منذ عام 2011، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق أفقد السوريين القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية. في السوق السوداء، تجاوز سعر الدولار حاجز 25 ألف ليرة، بينما السعر الرسمي في ظل النظام السابق كان بعيداً عن الواقع، كما أن البطالة تشكل تحدياً آخر، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 50% من القوى العاملة عاطلة عن العمل. هذا فضلاً عن هجرة أكثر من 6 ملايين سوري، معظمهم من الكفاءات والخبرات التي يحتاجها الاقتصاد لإعادة النهوض. وفي ظل هذا الوضع الذي وصلت إليه سوريا في عهد النظام السابق ، تفاقمت أزمة الأمن الغذائي. واشار تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي إلى أن 12.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يفرض ضرورة ملحة لإعادة تنشيط القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
اما في ما خص تحرير سعر الصرف وتداول النقد الأجنبي، فيشير إلى أن تحرير سعر صرف الليرة السورية بات خياراً حتمياً لإنقاذ الاقتصاد من الاختلالات التي أصابته. هذا التحرير يجب أن يتم بشكل تدريجي لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، واستعادة ثقة المستثمرين.
ومن بين الخطوات التي يمكن اتخاذها:
توفير احتياطيات نقد أجنبي تدعم الاستقرار المالي
تشجيع تحويلات المغتربين، التي تُقدر بحوالي 1.6 مليار دولار سنوياً، من خلال تسهيل تداول العملات الأجنبية بشكل قانوني.
التحرير المنضبط سيساهم في تحفيز الاستثمار والتجارة، لكنه يتطلب إدارة صارمة لتجنب تداعيات اجتماعية خطيرة على الطبقات الأقل دخلاً.
وبانتظار وضع دستور جديد لسوريا وإعادة تكوين السلطة، فإن الترقب سيد الموقف لمرحلة إعادة الإعمار، وفي السياق يقول سلطان إن إعادة إعمار سوريا ليست مجرد تحدٍ اقتصادي، بل مشروع وطني شامل يتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأمد. تحقيق ذلك يتطلب:
1-تمويل دولي واستثمارات خاصة:
سوريا بحاجة إلى استثمارات تتجاوز 400 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية والمناطق السكنية. المساعدات الدولية، إلى جانب الاستثمارات الخليجية والأجنبية، يمكن أن تشكل شريان الحياة لإعادة الإعمار.
2-إصلاح الجهاز الإداري:محاربة الفساد الذي كان الصفة السائدة لنظام الأسد المجرم، وتحسين كفاءة الإدارة الحكومية ضروري لضمان وصول الموارد إلى مستحقيها.
3- تخطيط عمراني مستدام:
يجب أن تركز خطط إعادة الإعمار على بناء مدن ذكية ومستدامة تراعي متطلبات الأجيال القادمة، وتوفر فرص عمل للسوريين المهجرين.
النفط والغاز، أولوية أم مصدر تمويل؟
وبينما يمثل النفط اولويات المرحلة المقبلة، يشير سلطان، الى أن سوريا ورغم انها كانت تمتلك احتياطيات نفطية تقدر بـ2.5 مليار برميل، فإن النفط لا يمكن أن يكون العمود الفقري للاقتصاد كما كان قبل الثورة السورية، شكلت عائدات النفط حوالي 20% من الناتج المحلي، وهي نسبة جيدة لكنها غير كافية لتغطية متطلبات إعادة الإعمار الهائلة. وفي المرحلة المقبلة، يمكن استخدام عائدات النفط كأداة لتمويل المشاريع الحيوية، لكن يجب أن يترافق ذلك مع خطط لتنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية.
وليس بعيدا يرى سلطان ان تبني اقتصاد السوق الحر قد يكون خياراً جاذباً في المرحلة المقبلة وهذا التوجه، إذا ما تم تطبيقه بحكمة، يمكن أن:
.يُنشط الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
.يُعيد الديناميكية للاقتصاد من خلال تشجيع التنافسية والابتكار.
لكن الانتقال إلى السوق الحرة يحمل مخاطر إذا لم يتم تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتقليص الفجوة بين الطبقات. دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن أن تساهم بـ60% من الناتج المحلي، سيكون مفتاحاً لإدارة هذا الانتقال.
مع سقوط النظام، تقف سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها على أسس جديدة تتسم بالشفافية والعدالة والكفاءة. تحرير سعر الصرف، إعادة الإعمار، إصلاح القطاع الزراعي، وتبني اقتصاد متنوع ومستدام هي أولويات المرحلة المقبلة، يقول سلطان، والأرقام قد تعكس عمق التركة الثقيلة التي خلفها النظام البائد، لكنها تحمل بين طياتها بوادر أمل خاصة مع توافر الإرادة السياسية والاقتصادية للإدارة السورية الجديدة لتحقيق التغيير المنشود. فسوريا بحاجة الى تحويل هذه التحديات إلى فرص، لإعادة البلاد إلى مكانتها الإقليمية والدولية.