زعم تقرير إسرائيلي يستند إلى التحقيقات الداخلية التي يجريها الجيش الإسرائيلي ومصادر أخرى أنّ قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الذي اغتالته إسرائيل في الحرب الأخيرة، فكّر في اللحظة الأخيرة بإلغاء عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل قبل إطلاقها في السابع من تشرين الأول 2023.
ويقول تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن خطوة الضيف كان سببها دهشته من عدم وجود أي تحرّك إسرائيلي، وظنه أن الاحتلال اكتشف شيئاً ويُعدّ كميناً، لكن ما تبين لاحقاً هو انهيار تام في المنظومة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.
ومن المنتظر أن يبدأ الجيش الإسرائيلي، الأسبوع المقبل، في نشر التحقيقات الخاصة بـ"السبت الأسود"، كما يوصف إسرائيلياً، فيما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تحقيقاً موسّعاً، اليوم الجمعة، قالت إنه يستند إلى وثائق داخلية تُظهِر كيف تم إعداد التحقيقات في الجيش.
ويكشف التحقيق تفاصيل جديدة عن عمق الإخفاق الإسرائيلي، منها ما يُظهر اكتشاف حماس لـ"وسيلة الدفاع الحساسة للمدرعات"، كما أن "الأداة السرية"، كما توصف، والتي تمثّل القدرة التكنولوجية لشعبة الاستخبارات العسكرية للوصول إلى أسرار "حماس"، لم توفّر معلومات استخباراتية قبل الهجوم، ولم تعمل بشكل صحيح أو توفّر أي تحذير من "الغزو".
وتقول الصحيفة إنه كانت تطلق على محمد الضيف كنية "الأخ حاج علي" في الوثائق الداخلية للجناح العسكري لـ"حماس" حفاظاً على السرية، وأنه بعد الساعة الخامسة صباحاً من يوم السابع من تشرين الأول 2023، فكّر في إيقاف كل شيء، وتضيف: "كان الضيف يريد أن يأمر بوقف التحضيرات المحمومة لساعة الصفر، التي دخلت مرحلتها الأخيرة، وتجميد الهجوم المخطط له حتى إشعار آخر".
وادّعت الصحيفة أنها اعتمدت في جزء من معلوماتها على مصدر رفيع في إحدى دول الوساطة، تحدّث إليها، بعد أن كان الأخير قد استقى معلوماته من مسؤولين كبار في حركة حماس في غزة، بالإضافة إلى مسؤولين إسرائيليين، ولفتت إلى أن الضيف "المهووس بأمن المعلومات"، على حدّ وصفها، توجّه لأتباعه ليسألهم عما يحدث في الجانب الإسرائيلي. وعندما سمع أنه لا شيء يحدث هناك، بدأ يشتبه في أنّ الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) يعدّون له كميناً.
وتابعت الصحيفة أن "وصف هذه اللحظة هو واحد من أكثر اللحظات إثارة التي انكشفت في إطار تحقيقات الجيش الإسرائيلي حول ما أدى إلى الفشل الفظيع في السابع من تشرين الأول".
وكان الضيف يدرك جيداً ما هي قدرات الاستخبارات الإسرائيلية "وكان يدرك مدى التغلغل الإسرائيلي في حماس"، وفق ما يذكره تقرير الصحيفة الإسرائيلية.
في المقابل، يقول أحد كبار ضباط الاستخبارات الذي قدّم شهادته أيضاً لفريق التحقيقات في الجيش الإسرائيلي، متحدّثاً عن الضيف: "بعد عملية القوة الإسرائيلية السرية في خانيونس، جنوبي قطاع غزة، في تشرين الثاني 2018 (الحديث عن عملية فشلت)، وبمساعدة الاستخبارات الإيرانية، فككوا كل المعدات التي تُركت في الميدان من قبل القوة المنسحبة، وقاموا بتحقيق فهموا من خلاله تفاصيل مهمة وحاسمة حول ما كانت تحاول إسرائيل القيام به هناك في تلك الليلة".
ومتسلّحاً بكل هذه المعلومات، أدرك الضيف، وفقاً للتحقيق الإسرائيلي، أنه للحفاظ على عنصر المفاجأة، يجب التعتيم الكامل على العملية، بحيث يعرف الحدّ الأدنى من الأشخاص عن التحضيرات للهجوم. هنا، يضيف التقرير الإسرائيلي: "لذلك أنشأ الضيف هو ويحيى السنوار (قائد حركة حماس الذي اغتاله الاحتلال في الحرب الحالية)، بعد "حارس الأسوار" (التسمية الإسرائيلية للعدوان على غزة عام 2021)، مجلس الحرب المصغّر، حيث تم التخطيط لتفاصيل المشروع الكبير، وهو الاسم الرمزي الذي أُعطي للهجوم الرامي لهزيمة فرقة غزة (في الجيش الإسرائيلي)".
وتم الحفاظ على بروتوكولات "مجلس الحرب المصغّر" بسرّية تامة، وفق ما اكتشفته إسرائيل لاحقاً، من خلال ضبط أجهزة حاسوب في نفق، يدّعي أن السنوار كان موجوداً فيه وغادره قبل وصول القوات الإسرائيلية بساعات قليلة.
كذلك، يزعم الجانب الإسرائيلي أنه اكتشف في أحد الحواسيب بروتوكولاً يعود تاريخه إلى 12 حزيران 2022، حدّد فيه الضيف الأوقات الدقيقة من أجل الحفاظ على سرية الهجوم.
وتشير البروتوكولات التي تم العثور عليها في النفق، وفقاً للمزاعم الإسرائيلية، إلى أن "حماس" فكّرت في تنفيذ الهجوم خلال صيف 2022، وكُتب في البروتوكول أن "التواريخ المقترحة للمشروع الكبير مرتبطة إلى حد كبير بأعياد اليهود خلال شهري 9+10 من عام 2022... ستبدأ الأعياد عندهم في 26-9-2022. هذا تاريخ مهم، ثم يوم 5/10/2022، يوم الغفران، الذي هو من أهم الأعياد وفيه صيام لمدة 26 ساعة".
أما السبب في عدم تنفيذ الهجوم في عام 2022، وفق رواية الاحتلال، فيكمن في إدراك "حماس" بأنه لا يوجد احتمال بانضمام إيران وحزب الله إلى التحرّك في ذلك الوقت.
وبحسب التحقيقات الإسرائيلية، "مع اقتراب الأعياد اليهودية في عام 2023، ورغم أنهم لم ينجحوا بعد في إقناع نظرائهم في محور المقاومة بالانضمام إلى الهجوم، وتلقّوا منهم فقط وعوداً غامضة بدعمهم، قرر السنوار والضيف أنه في ضوء أحداث الانقلاب القضائي، وضعف المجتمع، والسياسة، والمؤسسة الأمنية في إسرائيل، هذه هي الفرصة الأخيرة للهجوم".
وفي المناقشات التي جرت في أيار 2023، تقول الصحيفة "ظهر لأول مرة التاريخ الذي سيتذكره العالم"، وجاء في البروتوكولات: "كما أن هناك تاريخ 7/10/2023، عيد فرحة التوراة - إجازة رسمية (في الجيش الإسرائيلي)".
"لا شيء كان يعمل"
"لم يكن أي شيء يعمل"، يقول مسؤول في المؤسسة الأمنية الاسرائيلية اطّلع على جزء من تحقيقات جيش الاحتلال للصحيفة، بحيث "ليس هناك وحدة عمليات، أو نظام إنذار، أو وكالة استخبارات، أو قائد كبير، يخرجون بشكل جيد من هذا التحقيق، لا في فرقة غزة، ولا في قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش، ولا في قسم العمليات أو إدارة العمليات، ولا في الوحدة 8200، ولا في هيئة الأركان العامة أو قسم الأبحاث، ولا في القوات الجوية والبحرية، ولا في جهازي الشاباك والموساد. لقد فشل الجميع فشلاً ذريعاً. لم يكن ذلك خللاً، بل انهياراً كاملاً في النظم، وهو ما أدى إلى تآكل، وغطرسة، وعمى. وكل ذلك لم يبدأ في الليلة الأخيرة (أي قبل الهجوم في السابع من أكتوبر)، بل قبل ذلك بكثير".
تأجيل لنصف ساعة
من ناحيتها، كشفت القناة 12 الإسرائيلية في تقرير نشرته مساء الخميس، أن الضيف، قرر تأجيل إطلاق عملية "طوفان الأقصى" حتى التأكد من عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي.
ووفقًا للمصدر ذاته، فقد ظل محمد الضيف يفكر حتى اللحظة الأخيرة في تنفيذ عملية 7 تشرين الاول 2023، حيث تأخر نحو نصف ساعة عن الموعد المحدد للهجوم، الذي كان من المفترض أن يبدأ في الساعة السادسة صباحًا.
وفعلياً، بدأ الهجوم في الساعة 6:29 صباحًا بعد أن تأكد الضيف من أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدًا.
وتقرر الضيف، وفق القناة، تأجيل الهجوم في حال كانت هناك طائرات من دون طيار تابعة للجيش الإسرائيلي في السماء أو دبابات في مواقعها. وعليه، كانت "حماس" ستؤجل الهجوم إلى موعد لاحق.
وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن قرار تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" تم اتخاذه في وقت قريب جدًا من السابع من تشرين الاول.
ونقل المصدر عن الضيف قوله إنه لم يرَ قوات الدفاع الإسرائيلية في المنطقة في الصباح، وكان في انتظار معرفة ما إذا كانت هناك مناورة إسرائيلية تهدف لتشتيت الانتباه. وبعد مرور نصف ساعة، لاحظ أن المنطقة كانت خالية من أي تحركات، فاعتبرها "ميتة" من الناحية العسكرية، وأصدر أمرًا لقوات النخبة بشن الهجوم.
وقد أضافت القناة أن هذه المعلومات تم الحصول عليها مؤخرًا من خلال استجواب عناصر النخبة من حركة حماس المعتقلين، الذين تلقوا الأوامر مباشرة من الضيف.
يُذكر أن أبو عبيدة، الناطق باسم "كتائب القسام"، أعلن في كلمة مصورة في كانون الثاني 2025 مقتل قائد "كتائب القسام" محمد الضيف. (العربي الجديد - روسيا اليوم)