ساعات قليلة تفصل إيران عن الانتخابات الرئاسية التي تشكلت معالمها، بعد انسحاب ثلاثة مرشحين، بينما تتجه الأنظار نحو تأثيرها على الداخل والخارج والمحادثات النووية.
والمرشحان الرئيسان هما رئيس السلطة القضائية المحافظ إبراهيم رئيسي، ومحافظ البنك المركزي السابق المعتدل عبد الناصر همتي، بعدما منع مجلس صيانة الدستور عدة مرشحين بارزين من خوض الانتخابات بينما انسحب آخرون.
ودعي أكثر من 59 مليون إيراني، الجمعة، لانتخاب خلف للرئيس المعتدل حسن روحاني الذي لا يحق له الترشح هذه المرة بعد ولايتين متتاليتين.
ويعتقد رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد محسن أبو النور، أن رئيسي سُينتخب من الجولة الأولى لكن إيران "ستواجه مشاكل كثيرة جداً في فترة ما بعد انتخابه".
وأرجع أبو النور هذه المشاكل إلى ما فعله النظام الإيراني الذي كان يقوم منذ 42 عاماً على "ثنائية المحافظين والإصلاحيين" التي كانت تحدث نوعاً من التوازن وترضي بعض الأطراف في المشهد الإيراني.
لكن هذا التوازن تلاشى في العامين الماضيين ولم يعد موجوداً، فقد أقصى النظام الإيراني، بقيادة خامنئي، الإصلاحيين تماماً من المشهد، واحتكر السلطات بالكامل لصالح المحافظين، حسبما يقول أبو النور لموقع "الحرة".
وبموجب الدستور الإيراني تكون معظم سلطات الدولة في يد الزعيم الأعلى، المنتخب مدى الحياة والمسؤول عن اختيار ستة من أعضاء مجلس صيانة الدستور الـ12، والذي يهيمن عليها المحافظون.
ومن نحو 600 مرشح، صادق المجلس على سبعة فقط، هم خمسة من المحافظين المتشددين واثنان من الإصلاحيين.
وانخفض العدد، الأربعاء الماضي، إلى أربعة فقط، مع انسحاب ثلاثة مرشحين هم (الإصلاحي محسن مهر علي زاده، والمحافظان المتشددان سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني اللذان أيدا رئيسي).
وتعرض المجلس لانتقادات بعدما استبعد مرشحين بارزين مثل الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني.
وأثارت الاستبعادات انطباعاً بأن الانتخابات شبه محسومة لصالح رئيسي، لا سيما وأن وسائل الإعلام الإيرانية كانت رجحت أن تتركز المنافسة في السباق الانتخابي بين رئيسي ولاريجاني.
ويقول أبو النور: "مجلس صيانة الدستور لم يصادق تقريباً إلا على محافظين فقط، نرى الآن أن جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية إصلاحيون".
ويعتقد أبو النور أن القضاء على ثنائية الإصلاحيين والمحافظين من شأنها أن تؤدي إلى امتناع واسع عن المشاركة.
وتتوقع استطلاعات الرأي أن يكون الإقبال ضعيفاً على التصويت، حيث تشير استطلاعات رسمية إلى أن نسبة المشاركة قد تصل إلى 41 في المئة، وهي أقل بكثير من الانتخابات السابقة.
ويرجع البعض ذلك إلى الغضب بسبب حرمان مرشحين معتدلين بارزين من خوض الانتخابات، واستياء المواطنين من الوضع الاقتصادي، والفساد الرسمي، وسوء الإدارة، والحملة على الاحتجاجات التي اندلعت بسبب رفع أسعار الوقود في 2019.
كما تراجعت ثقة الشعب في المؤسسة الحاكمة بعد إسقاط طائرة أوكرانية عن طريق الخطأ في إيران من العام الماضي، مما أدى لمقتل 176 شخصاً.
وقبل أشهر من حلول الموعد المقرر للانتخابات، دعا مستخدمون إيرانيون لمواقع التواصل ونشطاء سياسيين لمقاطعة الانتخابات، مستخدمين عدة وسوم من بينها "لا للجمهورية الإسلامية".
وتوقع أبو النور أن تشهد إيران حركات احتجاجية بعد الانتخابات الرئاسية، "من دون أن تؤدي إلى ثورة على النظام". لكنه يستبعد تكرار احتجاجات 2009 التي أودت بحياة نحو 72 قتيلاً.
وأضاف أبو النور: "رئيسي سيحقق فوزاً مريحاً من الجولة الأولى لأنه همتي ليس مير حسين موسوي أو مهدى كروبي"، في إشارة إلى زعيمي المعارضة.
وخاض موسوي وكروبي انتخابات عام 2009، وأصبحا رمزين للإيرانيين المطالبين بالإصلاح الذين شاركوا في احتجاجات جماهيرية بعد أن فاز نجاد في انتخابات يرون أنه شابها تزوير.
صعوبات اقتصادية
وتأتي الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية تعود بشكل أساسي للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
ويرى أبو النور أن رئيسي لن يتمكن من إدارة الاقتصاد ومعالجة أوجه القصور الهيكلية في البنى الاقتصادية التي تعاني منها إيران.
وقال: "هو ليس رجل اقتصاد بل رجل قانون، رغم الشكوك الكثيرة حول مؤهلاته الدراسية، فبعض المرشحين قالوا إنه حاصل على الشهادة الابتدائية فقط".
أما على المستوى الخارجي، يتوقع أبو النور "نظاما أكثر تشددا مع الغرب والقوى الإقليمية، نظاما لن يتسامح كثيرا في القضايا الخارجية".
وتابع: "فترة رئيسي سوف تكون متطابقة تماما مع فكر خامنئي على المستوى الخارجي، لاسيما فيما يتعلق بالمسائل الدفاعية والحرس الثوري والوجود الإيراني في الإقليم".
وتحدث أبو النور عما وصفه بـ"التأثير الأخطر" لما بعد وصول رئيسي للسلطة وهو "المحادثات النووية الجارية في فيينا"، قائلا: "رئيسي سوف يشكل حكومة في منتصف آب، أتصور أنه قد يمكن التوصل إلى اتفاق إطاري بدءاً من أيلول المقبل".
أما الخبير في الشؤون الإيرانية، حسن راضي، فيعتقد أنه في حال فوز رئيسي، ستواجه المحادثات النووية تحديات كبيرة؛ أهمها إضافة بنود تتعلق بالصواريخ الباليستية ودور إيران في المنطقة، قائلاً لموقع "الحرة": "من الصعب الوصول لاتفاق يرضي جميع الأطراف".
وبالرغم من توقع فوز رئيسي في الانتخابات لا يستبعد الإيرانيون، وفق "الحرة"، حدوث أمر غير متوقع، ففي انتخابات 2005 الرئاسية على سبيل المثال هزم نجاد، الذي لم يكن شخصية بارزة حينها، الرئيس القوي السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يعتبر على نطاق واسع المرشح الأقرب للفوز بالمنصب.