قبل لقاء بعبدا الذي جمع الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري بالمبعوث الأميركي في ملف مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستين، كان خيارا الحرب والدبلوماسية يتسابقان، على وقع الضغوط المتبادلة، التي ترجمت "حربًا نفسية" بلغت ذروتها الأحد مع شريط "حزب الله" المصوّر، وما انطوى عليه من رسالة مزدوجة عنوانها "في المرمى.. واللعب بالوقت لا يفيد".
لكن، بعد اللقاء، بدا أنّ الأوراق عادت لـ"تُخلَط" من جديد، فجميع المشاركين خرجوا متفائلين بنتيجة المحادثات، التي سادتها "الإيجابية المطلقة"، وفق ما نُقِل عن معظم الأفرقاء المعنيّين، بمُعزَلٍ عن التسريبات التي تحدّثت عن عرض غير مقبول هنا أو اقتراح غير محبّذ هناك، ولو أنّ نقطة بقيت "عالقة"، لجهة عدم اتخاذ أيّ قرار بالعودة إلى صيغة مفاوضات الناقورة، التي يقال إنّها "مؤجلة" لحين الاتفاق العمليّ.
بالموازاة، لفت انتباه البعض ما اعتُبِر خفضًا للسقف اعتمده "حزب الله" بعد تمرير رسائله، من خلال الكلام "المقتضب" لأمينه العام السيد حسن نصر الله، الذي عاد فيه إلى "ثابتة" الوقوف خلف الدولة، باعتبار أنّ الحزب ليس "جهة" في التفاوض، مطلقًا عبارة "الصباح رباح" التي تحوّلت إلى "ترند" في السماء "الافتراضية"، في إشارة إلى اللقاءات التي كانت مبرمجة مع المبعوث الأميركي وما يمكن أن يتمخّض عنها.
"إيجابية لبنانية"
بمُعزَلٍ عن النتائج الحقيقية لزيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، وما إذا كانت حققت تقدّمًا كما أوحى الرجل نفسه، ومعه معظم المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، يقول العارفون إن لبنان سجّل "نقطة" تُحسَب لصالحه، حين استعاض عن اللقاءات "المنفردة" مع هوكستين بلقاء ثلاثيّ جامع في قصر بعبدا، ما ثبّت مرّة أخرى "وحدة" الموقف اللبناني الرسميّ في الملف، رغم كلّ الاختلافات والخلافات على أكثر من مستوى.
ويقول العارفون إنّ المبعوث الأميركي "فهِم" عمق الرسالة اللبنانية، وهو أبدى تفاؤله انطلاقًا من ذلك، خصوصًا أنّه مصرّ على ضرورة إنهاء الخلاف بالدبلوماسية، وهو ما قال إنّه لمسه لدى الجانب الإسرائيلي أيضًا، علمًا أنّ هناك من يضع رسالة "حزب الله" التي استبقت زيارة هوكستين إلى بيروت، ولو تنصّلت منها الدولة رسميًا، في إطار "مكمّل" لا "مناقض" لهذه الصورة، باعتبار أنّه يخدم "تسريع التسوية"، وليس "إعلان الحرب" كما روّج البعض.
على أنّ هذه الإيجابية اللبنانية تبقى محكومة بالخواتيم والعِبَر، فإذا كان لبنان وجّه من خلال لقاء بعبدا رسالة واضحة نافية لكلّ ما يشاع عن أنّ على اللبنانيين أن يتفقوا في ما بينهم قبل أيّ شيء، وأنّ الخلاف على الترسيم داخليّ قبل أن يكون مع العدوّ الإسرائيليّ، فإنّ المطلوب أن يتلقّف الجانب الآخر ذلك، خصوصًا أنّ الرسالة اللبنانية حملت في الوقت نفسه تمسّكًا بعامل الوقت، ورفضًا لأيّ محاولات ابتزاز، أو مماطلة، لن تكون في مكانها بالمطلق.
أين مفاوضات الناقورة؟
لكن، خلافًا للإيجابية التي ظهرت للعلن بعد لقاء بعبدا، وسائر اللقاءات التي عقدها المبعوث الأميركي في العاصمة اللبنانية، ثمّة علامات استفهام طُرحت عن النتائج، خصوصًا أنّ أيّ إشارة للعودة إلى مفاوضات الناقورة لم تتمخض عن الاجتماعات كما كان يتوقع كثيرون، أو كما ألمح رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه، الذي دفع عشية وصول هوكستين إلى بيروت، باتجاه خيار الذهاب إلى الناقورة "أحسن ما نروح على مطرح ثاني".
لكن في النتيجة، بدا أنّ المبعوث الأميركي تمسّك بمبدأ "المفاوضات المكوكية"، واعدًا بالعودة إلى المنطقة في وقت لاحق، لن يكون بعيدًا وفق ما أكّد معنيّون بالملف، وهو ما عزاه البعض لضغوط إسرائيلية لا تريد استعادة "شكل" المفاوضات السابق، الذي كان يغلب عليه طابع البطء، في حين أنّ تل أبيب "مستعجلة" لإنجاز الاتفاق في أسرع وقت ممكن، ولا سيما أنّها تعتبر أنّها تأخّرت، وهي "الطامحة" للعب دور في إمداد أوروبا بالغاز، كبديل عن روسيا.
ويقول البعض إنّ هذا "الاستعجال" قد يكون "متناغمًا" في مكان ما مع "المهلة" التي منحها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله والتي يفترض أن تنتهي مطلع شهر أيلول، في حين أنّ العودة إلى الناقورة من شأنها أن تستسهلك المزيد من الوقت، وهو ما سيُترَك لمرحلة التوقيع على الاتفاق النهائي، بعد التوصل إلى خطوطه العريضة من خلال المفاوضات التي يقودها هوكستين، والذي بات يملك "استراتيجيته" في تقريب وجهات النظر.
صحيح أنّ بعض التسريبات أوحت بوجود المزيد من "العوائق" أمام اتفاق الترسيم، خصوصًا أنّ الاقتراح الذي حمله الرجل لم يكن "مطابقًا" للرغبات اللبنانية، لكن هناك من يؤكد في المقابل أنّ تقدّمًا حصل، وأنّ "تنازلات متبادلة" يمكن أن تفضي إلى اتفاق "مقبول" من الطرفين، خصوصًا أنّ أحدًا لا يريد الحرب في هذه المرحلة، ولو أكّد الجميع جهوزيتهم لها، في "سباق" يبدو أنّ "السخونة" ستبقى سمته الثابتة حتى موعد الحسم...