من دون سابق إنذار، تحرّك ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت على وقع القرار "المفاجئ" للمدّعي العام التمييزي،
القاضي جمال الحجار، بالتراجع عن قرار المدعي العام التمييزي السابق،
القاضي غسان عويدات، وإعادة التعاون مع المحقق العدلي في القضية،
القاضي طارق البيطار، ما يفترض أن يضع حدًا لعامين من العرقلة والتشويش، وهو ما ترجِم سريعًا باستكمال
القاضي البيطار مرحلة جديدة من الاستجوابات في القضية.
أثارت خطوة
القاضي الحجار الكثير من علامات الاستفهام، وطُرحت معها
الكثير من الفرضيات في محاولة لفكّ "اللغز"، إن صحّ التعبير، حيث ربطها كثيرون بالتعيينات القضائية المرتقبة، فيما وضعها آخرون في السياق السياسي المستجدّ، والمعادلات الجديدة التي ترتّبت على الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وتجلّى مع انطلاقة "العهد الجديد"، الذي وضع إنهاء هذه القضية ضمن عناوينه العريضة، وهو ما ترجم في خطاب القسم، كما
البيان الوزاري.
إلا أنّ هذه الخطوة القضائية المفاجئة، قوبلت بخطواتٍ أخرى، ولكن متوقّعة، مع رفع شكوى قضائية بحق البيطار بجرم اغتصاب السلطة المدنية والنفوذ لمنعه من استكمال الملف وجلسات التحقيق، وسط معطيات تتحدّث عن مجموعة أخرى من الشكاوى والدعاوى التي تُعَدّ في هذا الإطار، بينها ما قد يُرفَع ضدّ
الحجار نفسه لإحراجه والضغط عليه، فكيف تُفهَم هذه "الحركة" على خط الملف، وهل تكون "عودة" التحقيق مؤقتة ليس إلا؟!
تغيير في السياسة..
ليس خافيًا على أحد أنّ قضية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت رُبِطت بالسياسة منذ اليوم الأول، حيث يذكر الجميع المسار الذي أخذه الملف، من تعيين المحقّقين العدليّين، إلى دعاوى كفّ اليد، وصولاً إلى "محاولات شقّ" أهالي الضحايا الذين انقسموا إلى جناحين، واحد مؤيّد للقاضي
طارق البيطار، وآخر يتهمه بالتسييس والتسويف، لتُكَفّ يده بصورة أو بأخرى منذ أكثر من سنتين، غاب فيها التحقيق عن صدارة الاهتمامات بكلّ بساطة.
من هنا، يرى كثيرون أنّ التغيير الذي حصل اليوم، والذي أعاد "تحريك" الملف، مرتبط بالسياسة، من أكثر من زاوية، وإن كانت متصلة ومنفصلة في آنٍ، إذ ليس سرًا أنّ معسكر "حزب الله" هو الذي قاد الحركة الرافضة لما اعتبره "تسييس التحقيقات" من قبل
القاضي البيطار، وصولاً إلى تنظيم التظاهرة الشهيرة في الطيونة ضدّه، وهو استطاع برأي كثيرين، بما يمتلكه من نفوذ، أن يعرقل التحقيقات طيلة الفترة الماضية.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ المعادلات تغيّرت اليوم، مع تراجع النفوذ الذي كان يتمتع به "حزب الله" بفعل الحرب الأخيرة، وبالتالي فكما خسر الأخير
الكثير من الامتيازات، في كلّ استحقاقات "ما بعد الحرب"، من انتخاب الرئيس إلى تسمية رئيس الحكومة وصولاً إلى تشكيل الحكومة، وبيانها الوزاري الذي خلا من مصطلح "المقاومة"، فهو خسر كذلك القدرة على عرقلة التحقيق، أو ربما هكذا ظنّ خصومه، الذين اعتبروا الفرصة "سانحة" لمواجهته بالقضاء.
هل يكمل التحقيق؟
وفي السياق نفسه، ثمّة من يربط هذه "الانعطافة" السياسية القضائية، إن صحّ التعبير، على خطّ قضية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، بسياسة "العهد الجديد"، الذي وضع نصب عينيه ختم التحقيقات في هذا الملف، والوصول إلى قرار ظنّي واتهامي، وهو ما كرّره كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في أكثر من مناسبة، علمًا أنّ الحقيقة في هذا الملف، وإنصاف الضحايا، تُعَدّ مدخلاً إلزاميًا لكلّ عناوين الإصلاح والإنقاذ.
من هنا، يمكن فهم خطوة
القاضي الحجار، واستئناف
القاضي البيطار لتحقيقاته، على أنّه "نتيجة طبيعية" للمتغيّرات التي حصلت، باعتبار انّ القاضيين يتصرّفان اليوم كما لو أنّ عراقيل الأمس قد ولّت، وأنّ ما كان بعيد المنال أصبح اليوم في اليد، علمًا أنّ المسار لا يزال طويلاً نسبيًا، خصوصًا أن العراقيل بدأت بالظهور، من خلال الدعاوى والشكاوى التي يقول البعض إنّها كانت "جاهزة"، بانتظار "تحريك" الملف، ليس إلا.
مع ذلك، يشدّد العارفون على أنّ
القاضي البيطار مصرّ هذه المرّة على استكمال التحقيق حتى النهاية، مهما كانت المعوّقات والصعوبات، علمًا أنّ بعض المحيطين به يؤكدون أنّه كان على وشك الخروج بقرار ظنّي حتى من دون استكمال مرحلة الاستجوابات، إلا أنّه قرّر "التريّث" في إصداره مع التغييرات التي حصلت، حتى يكون كاملاً وشاملاً، ويُبنى على نتيجة الاستجوابات المقتضى القانوني اللازم.
تبدو قضية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت أشبه بقصّة "إبريق الزيت" برأي كثيرين، فكلما "تحرّك" الملف من جديد، خرج من يحاول "فرملته" من جديد، لتعود المخاوف من فتنةٍ يحاول البعض بثّها على خطّ الملف. وإذا كان لكلّ طرفٍ "دوافعه"، في ظلّ اتهامات "غب الطلب" بالتسييس، فإنّ الواقع أنّ الضحايا يبقون المتضرّر الأول، وهم الذين يُقتَلون مرّات ومرّات، تحت عنوان "حقيقة" أصبح واضحًا أنّ لا أحد يريدها!